[مسألة الاستثناء في الإيمان وقول العلماء في ذلك]
وتبقى لنا مسألة مهمة جداً تتعلق بالإيمان، وهي مسألة الاستثناء في الإيمان كأن تقول: أنا مؤمن إن شاء الله، قال بعض العلماء: لا يجوز مطلقاً، وبعض العلماء يرى التفصيل.
والذين قالوا: لا يجوز مطلقاً هم الأحناف، فقالوا: الذي يستثني في الإيمان مشرك؛ لأنه شاك، والله اشترط في الإيمان أن يكون إيماناً جازماً لا شك فيه، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات:١٥]، وهذا شرط حتى يقبل هذا الإيمان عند الله، وقوله: {لَمْ يَرْتَابُوا}، أي: لم يشكوا، وقول الإنسان: أنا مؤمن إن شاء الله فيه دلالة على أنه يشك.
أما الذين قالوا بالجواز مطلقاً فهم الشافعية، فقالوا: يجوز للإنسان أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، إما على ما يأتي وإما تبركاً، واستدلوا بعمومات الأمر بتقدمة المشيئة على كل فعل وكل قول، والأحناف لما سمعوا ذلك من الشافعية كفروهم، ولذلك هناك مقولة مشهورة عن الأحناف أنهم قالوا: يجوز للحنفي أن يتزوج من الشافعية قياساً على أهل الكتاب.
إذاً: في المذهب الحنفي سموا الشافعية شكاكة؛ لأنهم يصرحون بجواز القول: أنا مؤمن إن شاء الله، وهذا القول فيه غلو وجفاء، والقول الوسط هو الصحيح، وهو قول جماهير أهل السنة والجماعة: إنه يجب قول إن شاء الله في حالات، ولا يجب قول إن شاء الله في حالات: الحالة الأولى: أن ينظر للمستقبل، أنه مؤمن الآن ومؤمن غداً وبعد غد للمستقبل، ويكون بذلك فيه تزكية للنفس؛ لأنه لو قال أنه مؤمن الآن وفي المستقبل، فهذا يزكي نفسه.
والحالة الثانية: ينظر إلى حاله الآن.
الحالة الثالثة: أن ينظر إلى ما يختم به الأعمال، فقالوا: وفي كل حال من هذه الأحوال له أن يقول وله ألا يقول، أما في الحال المستقبلي أو الخواتيم جزماً لا بد أن يقول؛ لأنه لا يملك من أمره شيئاً، ويعلم أن الله يمكن أن يختم عليه بالسيئات والعياذ بالله لا بالصالحات، وأقوى ما يستدل به حديث الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامها وإن شاء أزاغها).
وأيضاً حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (يمسي المرء مؤمناً ويصبح كافراً ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً)، فهذه التغيرات والتقلبات بيد الله جل في علاه، فلا بد أن يقول: إن شاء الله؛ لأن ختم الأعمال والمستقبل بيد الله جل في علاه.
وأيضاً كما يقول بعض العوام: أنا مؤمن، مزكياً نفسه، فوجب عليه أن يقول: إن شاء الله؛ لأنه لا يجزم بأنه مزكى عند ربه، ومن الممكن أن يأتي بالفرائض وينتهي عن المحرمات، ويتقرب إلى الله بكل الطاعات وكل أعماله عند الله تكون هباء منثوراً؛ لأنه لم يخلص لله جل في علاه، فإن قال: أنا مؤمن تزكية لنفسه، نقول له: قل إن شاء الله؛ لأنك لا تعلم إن كنت مقبولاً عند ربك أم مرفوضاً؛ لأن مدار المسألة على القبول وعلى تقوى القلب ورقته.
فإذا كان قوله تزكية وجب عليه أن يقول: إن شاء الله، وإن كانت مستقبلية فيما يستقبله من الأزمنة، وفيما يختم به لا بد أن يقول: إن شاء الله؛ لأن الأمر بيد الله وليس بيده، أما إن كان في الوقت الحالي فعليه ألا يشكك في إيمانه، بل يقول: أنا مؤمن، دون أن يقول: إن شاء الله.
إذاً: يجزم في حالة واحدة وهي حالة نفي الشك عن نفسه وأن يجزم في حالته أنه مؤمن.
والحالة الثانية التي يجب عليه أن يقول: إن شاء الله حالة ختم الأعمال؛ لأن ختم الأعمال ليست بيده بل بيد الله جل في علاه.
والحالة الثالثة: إن كان قوله: أنا مؤمن تزكية للنفس، فيجب عليه عندها أن يستثني؛ لأن الله جل في علاه قال: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} [النجم:٣٢].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.