الاحتجاج بالقدر على نوعين أو نقول: أقدار الله مصائب ومعائب، فالله لم يخلق شراً محضا لكن خلق معائب، وللإنسان عبودية في قدر المصائب وعبودية في قدر المعائب، أما المصائب وهي التي تنزل وتطرأ على العبد فيبتلى بها ولا يد له في دفعها، كمرض أو موت قريب أو حبس أو ضنك أو فقر، كل هذا قدر لا يستطيع الإنسان أن يدفعه، وهذا القدر يسمى قدر مصيبة، فقدر المصيبة لك فيه عبادة بأن تقر أولاً بأن هذا قدر الله، وأنه قد كتب في اللوح المحفوظ فتؤمن بذلك، ولك أن تقول لأي أحد: إنا لله وإنا إليه راجعون، قد قدر الله علينا ذلك، وتحتج بالقدر على هذه المصيبة.
ثانياً: من التعبد بأقدار الله في المصائب أن ترضى بهذه المصيبة، وهذا أرقى المنازل تحت هذه المنزلة، فليس لازماً أن ترضى وليس واجباً عليك، بل هو من باب الكمال فقط، لكن من باب اللزوم والوجوب الصبر على المصيبة، ومعنى الصبر على المصيبة: ألا تتسخط على أقدار الله، ولذلك (لما مر النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة التي تبكي على القبر قال: اتقي الله واصبري)، يعني: حتى لا تتسخطي على أقدار الله قالت: (إليك عني إنك لم تصب مصيبتي)، وكادت أن تتسخط على أقدار الله؛ ولذلك لما خرجت نفس إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون)، ثم قال في رواية أخرى:(ولا نقول إلا ما يرضي ربنا) أي: لا نقول ما يغضب ربنا.
فلك في أقدار المصائب التعبد بأن تحتج بالقدر وكذلك تصبر عليها وهذه العبادة الثانية، وأكمل من ذلك أن ترضى بها، وفعل السلف فيه كل العجب من الرضا بقضاء الله جل في علاه وقدره، وقد نقل بسند صحيح عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقول: أفرح ما أفرح به أقدار الله جل في علاه، يعني: أسعد في صباحي أو مسائي؛ لأني أنا تحت قدر الله يلقيني حيث يشاء، إن كان في السراء فله الشكر، وإن كان في الضراء فله الصبر، وهذا محض التسليم والتوكل على الله جل في علاه.