[وجوب الإيمان بما أخبر به الرسول من حادثة الإسراء والمعراج]
يقول المصنف رحمه الله:[ويجب الإيمان بكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم].
ثم أتى لنا بواقعة هي من أهم الوقائع في تاريخ البشرية، وهي واقعة فيها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي واقعة الإسراء والمعراج، فبعدما اشتد الكرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكالبوا عليه، بل واتهموه بأكذب الأباطيل، فقالوا عنه: ساحر، وقالوا عنه: مجنون، وقالوا: إنه يفرق بين المرء وزوجه، ويفرق بين الابن وأبيه، ولم يكتفوا بهذه الاتهامات الباطلة بل إنهم أتوا بسلى جزور فوضعوها على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، وهو يصلي في الكعبة، ولم يكتفوا بذلك أيضاً بل تكالبوا عليه وتآمروا على قتله أو طرده وتشريده وإبعاده، والله جل في علاه علم بالحزن الشديد والهم العميق في قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يفرج عنه الكرب رحمة من الله جل في علاه سبحانه الرحيم، فتنزلت رحماته تترا على عبده ورسوله ونبيه وخليله من خلقه صلى الله عليه وسلم، فجاءه جبريل ذات ليلة فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بالبراق فركب البراق، ثم ذهب به في هذه الليلة إلى بيت المقدس، فنظر إلى بيت المقدس وما فيه من بنايات، ثم بعد ذلك شرف الله سيد الخلق أجمعين أعظم تشريف، حيث أتى له بالأنبياء قاطبةً فأمهم وصلى بهم إماماً بأبي هو وأمي، ثم لم يكتف التفريج إلى هنا، بل أخذه جبريل وصعد به معراجاً إلى السماء، وفي كل سماء يدق باب السماء فيقول الملك: من؟ فيقول: جبريل، فيقول: ومن معك؟ فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: أوبعث؟! فيقول: اللهم نعم، فيقول: مرحباً بالنبي الصالح، إلى أن انتهى إلى صريف الأقلام، وفرض الله عليه وعلى أمته خمسين صلاة، ثم خففها إلى أن وصلت إلى خمس صلوات في اليوم والليلة.
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنام بقية الليلة عند البيت أو عند الحجر، فجاءه أبو جهل ومن معه من صناديد قريش، فقال لهم: أقص عليكم ما حدث لي: إني أسري بي إلى بيت المقدس، فوقف الناس موقفاً عظيماً وقالوا: نهتبل هذه الفرصة، فهي فرصة السقوط وبيان كذب هذا الرجل -حاشا للرسول صلى الله عليه وسلم أن يكذب- فأخذوها واهتبلوها فرصة وقالوا: إن أول الناس الذي لا يمكن أن يصدق هذا الكلام أبو بكر، فهو الذي يناصره بكليته، لكن هذا الخبر لا يصدقه، فذهبوا إلى أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، فقالوا: أرأيت ما يقول صاحبك؟ قال: ما يقول؟ قالوا: يقول: إنه في هذه الليلة قد أسري به إلى بيت المقدس، فقال: أوقد قال؟ انظروا إلى الإيمان التام والتسليم التام من أبي بكر، فالذي نريده من كل مؤمن ومسلم أن يسلم لأوامر الله، ولأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يسلم لقضاء الله وقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال لهم: أوقد قال؟ قالوا: اللهم نعم، فقال: إن كان قد قال ذلك فقد صدق، فاندهشوا فقالوا: نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس وهو في ليلة واحدة يذهب ويجيء! فقال: إني أصدقه فيما هو فوق ذلك، أصدقه أنه يأتيه الوحي من السماء؛ ولذلك لقب بـ الصديق من يومئذ رضي الله عنه وأرضاه، فذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مرة ثانية يجرون أذيال الخيبة، فقالوا له: صف لنا بيت المقدس؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(فقد غابت عني نواح من بيت المقدس فاهتممت لذلك أو قال: اغتممت لذلك، فجاءني جبريل بصورة بيت المقدس)، وهذه لا تستبعد، فالفيديو الآن يمكن من خلاله أن تنظر إلى بيت المقدس بشريط الفيديو، فأخذ النبي ينظر فيه كأنه صورة في شاشة ينظر فيها بيت المقدس، ويقص عليهم: الناحية اليمنى كذا، وكانوا قد وصلوا إلى بيت المقدس وعرفوا دقائقه، فأتى بكل دقيق وجليل في بيت المقدس فاندهشوا جداً، ثم قال لهم: إن عير فلان تأتيكم من خلف الجبل الآن، فوجدوا العير كما قال بأبي هو وأمي، لكنهم ختم الله على قلوبهم، ومن أراد الله أن يزيغ قلبه فلن ترى من يقيم قلبه مرة أخرى.