بالنسبة لعذاب القبر ونعيمه قد ثبت بالكتاب وبالسنة وبالعقل، أما بالكتاب فآيات كثيرات: منها قول الله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى}[السجدة:٢١] وهو عذاب القبر، وهذا الذي فسره كثير من المفسرين، قالوا: العذاب الأدنى هو عذاب القبر، والعذاب الأكبر هو عذاب يوم القيامة.
أيضاً من الأدلة من القرآن على عذاب القبر قول الله تعالى:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ}[غافر:٤٦]، أي: النار يعرضون عليها في القبر ليل نهار، غدواً وعشياً، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}[غافر:٤٦].
ومن الأحاديث الصريحة في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم الطويل الذي رواه البراء وفيه أن الملك يسأل الميت فإذا قال: هاه هاه لا أدري، قلت مثلما قال الناس، فيقال له: لا دريت ولا تليت، وفي بعض الروايات قال:(فيضرب بمطرقة يسمعها كل مخلوق إلا الثقلين)، وهذه دلالة على عذاب القبر.
وأيضاً ما ورد في قصة ابن عمر في مسند أحمد -وقد تقدم ذكر القصة- أنه بات ليلة فسمع رجلاً من الأموات يصرخ من عذاب القبر فلما سمع ابن عمر ذلك فزع، فذهب فقص على النبي صلى الله عليه وسلم هذه القصة، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سفر الإنسان وحده، إذ كان هذا العاتي يتبول ولا يستنزه من بوله، وأيضاً جاءه رجل يريد أن يشرب فقال: اذهب إلى هذه الشن المعلقة، وكان تحتها بئر فذهب ليشرب فوقع الرجل فمات، فلما مات عذب في قبره بهذه المصيبة وبهذه الجناية والجناية الأخرى وهي البول، فكان يصرخ صراخاً شديداً في الليل فيقول: شن وما شن؟ بول وما بول؟ أي أنه عذب بذلك، وهذا أيضاً فيه دلالة واضحة على عذاب القبر ونعيمه، وأصح من ذلك ما جاء أن المؤمن يقال له بعد
السؤال
( أن صدق عبدي فافرشوا له من الجنة وألبسوه من لباس الجنة، فيأتيه من طيبها وريحها)، اللهم اجعلنا كذلك يا رب العالمين، وأما الفاسق والعياذ بالله فإنه يقال:(أن كذب عبدي فألبسوه من النار، ويفتح له باب من النار، فيأتيه من سمومها وحرها)، والعياذ بالله! ومن الأدلة على عذاب القبر:(مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبي، فأما الأول فكان يمشي بين الناس الناس بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله، وأيضاً حديث: (لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر)، لأنكم ستفزعون ولا تدفنوا موتاكم بعد ذلك، وهذا أيضاً فيه دلالة من السنة الصريحة على عذاب القبر، وويل ثم ويل لمن أنكر عذاب القبر ونعيمه، فقد ورد في الصحيحين (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من أربع، منها: عذاب القبر).
ومن الأدلة على عذاب القبر ونعيمه حديث المعراج حينما صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء، ورأى الفظاعة كلها، ورأى أعاجيب، أما الأول فكان يضرب بالحجر حتى يشق جسده، والآخر بالكلاليب على فمه، ومنهم من كان يسبح في نهر من الدماء ورجل واقف على النهر كلما اقترب فغر فاه فألقمه حجراً فيرجع كما كان، ورأى تنوراً فيه النساء والرجال الزناة يضجون، وأصواتهم عالية، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يستوقف جبريل، فيقول جبريل: هذا آكل الربا، وهذا الذي كان يمشي بين الناس بالنميمة، وهذه التي كانت تفعل الفاحشة، فهذه دلالة واضحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى هؤلاء في عذاب القبر، وفيه دلالة واضحة على أن القبر له عذاب وله نعيم.