الصفة الثانية التي ذكرها المصنف: قوله سبحانه وتعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}[المائدة:٦٤] فذكر صفة اليد، واليد من الصفات الفعلية لله جل في علاه.
وهي صفة خبرية، وضابطها أن مسماها عندنا أجزاء وأبعاض، وقلنا صفة خبرية؛ لأنها ثبتت بالخبر.
وقد ثبتت لله بالكتاب وبالسنة وإجماع أهل السنة، أما بالكتاب فقد قال الله تعالى:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[الفتح:١٠] وقال جل في علاه: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}[المائدة:٦٤] وقال جل في علاه: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا}[يس:٧١] وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يمين الله ملأى سحاء الليل والنهار لا يغيضها نفقة، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض) وقال النبي صلى الله عليه وسلم في رواية أخرى عن اليد كما في السنن بسند صحيح،: (إن الله جل وعلا لما خلق آدم قبض قبضة بيده اليمنى وقبض قبضة بيده الأخرى فقال لآدم: يا آدم! اختر، فقال: اخترت يمين ربي، وكلتا يدي ربي يمين) فاختار أهل الجنة.
وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الله ينادي يوم القيامة: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك والخير كله بيديك) إثباتاً لليد.
وأيضاً في الصحيح في حديث احتجاج آدم وموسى أن موسى يقول له:(أنت آدم خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده) وهذه كلها أدلة تثبت لله جل في علاه يداً حقيقية لا تشبه يد المخلوق، وإن حصل الاشتراك في الاسم، ولها كيفية نجهلها.
وإذا سأل مبتدع عن كيفية يد الله قلنا له: اليد في اللغة معلومة، والكيف مجهول، والإيمان بها واجب، والسؤال عنها بدعة.
أما عظمة يد الله فقد قال الله تعالى منكراً على الذين لا يعظمون يده جل في علاه:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[الزمر:٦٧] وفي الصحيحين: (دخل حبر من أحبار اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا رسول الله! إن الله يحمل الجبال على ذه، والبحار على ذه، والسماوات على ذه، والأشجار على ذه) يشير إلى الأصابع (ثم قبض بيده وهز يده هكذا -ونحن نفعل ذلك كما فعل الرجل- وقال: فيهزهن هكذا ويقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أنا الملك أين المتكبرون؟ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم) إقراراً له بذلك.
فهذه هي عظمة يد الله جل في علاه، فلابد أن نتدبر، وأن نعلم أنه لن يصل أحد إلى الغنى إلا بالله سبحانه، فيد الله سحاء ويمين الله ملأى، خزائن السماوات والأرض في يده، يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(يمين الله ملأى لا تغيظها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله: يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته) وقال في ثنايا الحديث: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم سألوني فأعطيت كل واحد مسألته) فهذه يد الله المنفقة، وهذه الآيات والأحاديث ترد على اليهود الذين يقولون:{يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}[المائدة:٦٤] فانظروا كيف يقول الله جل في علاه: (لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي شيئاً).