للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إثبات صفة المجيء لله تعالى]

صفة المجيء تسمى صفة فعلية، وضابطها: أنها تتعلق بالمشيئة، أي: أنها تتجدد، ففي حين يمكن أن نصف الله بها، وفي وقت آخر لا نصف الله بها، فضابطها: أن تضع قبل الصفة: إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، فهو سبحانه إن شاء جاء وإن شاء لم يجئ، وإن شاء استوى وإن شاء لم يستو، وإن شاء ضحك وإن شاء لم يضحك، وإن شاء أعطى وإن شاء لم يعط، وإن شاء نزل وإن شاء لم ينزل.

وصفة المجيء ثبتت لله بالكتاب وبالسنة، وإجماع أهل السنة والجماعة.

أما بالكتاب فقد قال الله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:٢٢].

وقال تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الفجر:٢٣].

وقال جل في علاه: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام:١٥٨].

وقال جل في علاه: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ} [البقرة:٢١٠]، فالملائكة ستأتي أيضاً وتكون صفاً صفاً، والله يأتي في ظلل من الغمام.

وأيضاً ورد في الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم يأتيهم الله)، أي: أن الله جل وعلا يأتي فيقول: (من كان يعبد شيئاً فليذهب خلفه)، فمن كان يعبد الشمس فإنها تكور وترمى في جهنم، وهو خلفها والعياذ بالله، ومن كان يعبد القمر أيضاً يسقط خلف القمر، فيلقى في النار جزاء وفاقاً؛ لأنهم عبدوه من دون الله، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:٤٦].

ومن كان يعبد عيسى نفس الأمر، ويبقى بقايا من أهل الكتاب، والمؤمنون والمنافقون من هذه الأمة، فيأتي الله جل وعلا إلى بقايا من أهل الكتاب فيقول: (من تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر عيسى ابن الله.

فيقول: خسئتم أو كذبتم إن الله لم يتخذ ولداً، ثم يلقون في النار) وأيضاً اليهود عندما يقولون هذه المقولة على عزير يلقون في النار.

ثم يأتي الله جل في علاه إلى المؤمنين والمنافقين الذين: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:١٤٢]، فيقول: (من تنتظرون؟)، لمَ لم تكونوا مع الناس؟ فيقولون: تركناهم ونحن أحوج الناس إليهم، والآن نتركهم فقال: (من تنتظرون؟ قالوا: ننتظر ربنا، قال: هل بينكم وبينه علامة؟ قالوا: نعم.

قال: أنا ربكم).

وفي الحديث قال: (فيأتيهم الله على الصورة التي لا يعرفونها).

والشاهد أنه قال: (يأتيهم)، فهذا من المجيء، وسيأتيهم على صورته وهم لا يعرفونها، فيقولون: (نعوذ بالله منك لست بربنا، فيقول: هل بينكم وبينه علامة؟ فيقولون: نعم.

فيأتيهم في الصورة التي يعرفونها، ثم يكشف عن ساقه فيخر كل مؤمن كان يسجد صدقاً)، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين! (أما المنافق فيرجع ظهره طبقاً)، لا يستطيع أن يسجد فينقلب على قفاه فيخدعه الله كما خادعه في هذه الدنيا.

فالغرض المقصود أنه قال: (يأتيهم) فثبتت هذه الصفة بالكتاب وبالسنة.

وأيضاً أهل السنة والجماعة أثبتوا لله صفة المجيء.

فإذا قيل: إن أثبتم صفة المجيء فقد شبهتم الخالق بالمخلوق.

قلنا: التساوي في الاسم لا يستلزم التساوي في الصفة، فالله يجيء ومحمد يجيء، لكن مجيء الله ليس كمجيء محمد؛ لأن التساوي في الاسم لا يستلزم التساوي في الصفة، والدليل على ذلك من الواقع المشاهد، فإذا قيل: زيد قد جاء، وجاء قرده معه، فإن مجيء زيد ليس كمجيء القرد.

وإذا قيل: جاء الفيل وجاءت القطة، فمجيء الفيل ليس كمجيء القطة.

فهذا في الواقع المشاهد في المخلوقات مع التساوي في الاسم والتساوي في الصفة والمسمى لا يتساوى.

ولذلك نقول: إن الله يجيء مجيئاً يليق بجلاله وعظمته وكرمه وقدرته وبهائه، والمخلوق يجيء مجيئاً يليق بعجزه ونقصه وفقره.

فإن قيل: كيف مجيء الله؟ نقول: المجيء في اللغة معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

فنثبت لله مجيئاً يليق بجلاله وكماله سبحانه وتعالى بلا كيف؛ لأنا لا نعلم الكيفية.

<<  <  ج: ص:  >  >>