وقد اختلف العلماء في حقيقة الموزون: فهل توزن الأعمال أم العباد الذين يعملون هذه الأعمال، أم هي الصحائف التي توزن؟ وهذا الخلاف منبثق عن أدلة جاءت بإثبات كل هذه الأنواع؛ أما الأدلة على وزن الصحائف: فحديث البطاقة، قال:(فتوضع سجلات بالسيئات في كفة، وسجلات الحسنات في كفة، ثم يرى المرء بأنه قد هلك؛ لأن السجلات بالسيئات قد رجحت فيقال له: لك عندنا شيء، فيقول: وما هذا الشيء؟ فيقال: هذه البطاقة، فيقول: وما تنفع هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: لا ظلم اليوم، فيأخذ البطاقة والبطاقة مكتوب فيها: لا إله إلا الله) لكن مدار هذه البشارات على القلوب؛ لأن كثيراً من الناس يقولون: لا إله إلا الله وليست لهم هذه الحظوة، وليست لهم هذه البشارة من ثقل بطاقة لا إله إلا الله، (فيضع البطاقة على كفة الحسنات فترجح كفة الحسنات) ففيه دلالة على وزن الصحائف.
أما الذين قالوا بوزن العامل نفسه فقد استدلوا بأحاديث كثيرة منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالرجل السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة)، لضآلة مقداره عند الله جل في علاه، ففيه دلالة على أن الموزون هو العامل نفسه، واستدلوا كذلك بقصة: ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه عندما تسلق الشجرة فنظر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحكوا من دقة ساقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(علام تضحكون؟ قالوا: على دقة ساق ابن مسعود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إنهما كجبل أحد في الميزان يوم القيامة)، ففيه دلالة كذلك على أن الموزون هو العامل نفسه.
وأما الذين قالوا بوزن العمل فقط فقد استدلوا بأحاديث كثيرة منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان)، وهذا وجه الشاهد؛ فقد بين أن هذه الكلمة:(سبحان الله وبحمده) ثقيلة في الميزان؛ فدل ذلك على الموزون هي الأعمال ذاتها.
والصحيح الراجح في ذلك: هو الجمع بين هذه الأقوال، فنقول: إن المرء سيوزن؛ تقديراً وتعظيماً وتشريفاً للمؤمن؛ ليبين الله كرامة المؤمن عليه، ويبين أيضاً حقارة المنافق الفاسق الفاجر عليه.
أما بالنسبة للأعمال والصحائف فإننا نقول جمعاً بين هذه الروايات: إن الصحائف ستوزن، فإذا وزنت الصحائف فمن باب أولى أن توزن الأعمال؛ لأن الصحائف تتضمن أعمال العباد.
إذاً: الراجح: أن المرء يوزن وكذلك الصحائف المتضمنة للأعمال والله أعلم.