ثم لابد بعد أن يرى السعيد سعادته بتثقيل الله سبحانه لميزان حسناته ينشر الله الدواوين والكتب، فينادى على أهل اليمين فيأخذون الكتب باليمين، وينادى على أهل الشمال -والعياذ بالله- فيأخذون الكتب بالشمال، وترى الفرحة والسرور والبهجة على أهل اليمين، وترى الويل والثبور على أهل الشمال، فيقول قائل أهل اليمين:{هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ}[الحاقة:١٩ - ٢٠]، اللهم اجعلنا ممن يأخذ كتابه بيمينه، قال تعالى:{وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}[الانشقاق:٩]، أما الآخر والعياذ بالله فيقول:{يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ}[الحاقة:٢٥ - ٢٦]، وهذا الذي ينقلب بالويل والثبور فيأخذ كتابه بشماله، نعوذ بالله أن نكون منهم.
وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها -وقد ذكره الشارح على ضعف فيه لكنه يستأنس به- قالت:(سألت النبي صلى الله عليه وسلم: هل تذكرون أهليكم؟ قال: أما في ثلاث مواطن فلا يذكر أحد أحداً: عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل؟ وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه: في يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره؟ وعند الصراط إذا وضع بين ظهراني جهنم حتى يجاوز).
ولذلك قال بعض السلف: ما من امرأة إلا وتقول لوليدها: أي بني! ألم تكن لك بطني وعاء؟ ألم يكن لك حجري غطاء؟ ألم يكن لك ثديي سقاء؟! أي بني! أحتاج إلى حسنة واحدة، فيقول: أي أماه! إليك عني فإني أحتاج إليها هذا اليوم، أو يقول: إني لها أحوج، وهذا مصداق لقول الله تعالى:{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ}[عبس:٣٤ - ٣٥] نعوذ بالله من الخذلان.