للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النفخ في الصور وأقسامه]

وسنتكلم اليوم عن اللحظات الحرجة التي يمر بها الإنسان بعد دخوله القبر، فبعد أن يدخل صاحب القبر في قبره، ويدخل الكثير من الناس إلى مقتبل الآخرة، فإن الله جل في علاه لا يبقي في هذه الدنيا إلا شرار الخلق، كما جاء في الحديث: (فلا يبقى في الأرض من يقول: الله الله!) فحينئذ يأمر الله جل في علاه إسرافيل وهو ملك من الملائكة المقربين الذي التقم القرن، والقرن: هو الصور العظيم الذي ينفخ فيه الملك فيصعق من في السماوات ومن في الأرض ويموت الجميع، فإن الله يأمر إسرافيل فينفخ في الصور نفخة واحدة يصعق منها كل إنسان.

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وانتظر أن يؤذن له فينفخ في الصور)، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخشى كل الخشية على أمته؛ لأن النفخ في الصور ليس بالهين، فهو يؤذن برحيل الدنيا والإقبال على الله جل في علاه للحساب وما فيه من الأيام العصيبة.

وفي هذا دلالة على عظم خلق إسرافيل عليه السلام وقوته؛ ففي صيحة واحدة يهلك من في السماوات ومن في الأرض، وفي نفخة أخرى يخرج الناس من قبورهم أحياء إلى ربهم.

وهذا ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، أما بالكتاب: فقد قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:٦٨] وهذه النفخة هي نفخة الصعق؛ ولذلك استثنى سبحانه فيها، فقال: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:٦٨].

وأيضاً قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} [يس:٥١]، وبعد أن يميت الله الخلق بهذه النفخة فإنه يأمر السماء أن تمطر مطراً كالطل، أي: كالمني، فتمطر مطراً كالطل وقد بليت الأجساد وبقي منها عجب الذنب فقط، فإذا نزل المطر نبتت الأجساد كما كانت -ويكون هذا المطر قبل النفخة الثانية- فإذا نفخ إسرافيل النفخة الثانية إذا هم قيام إلى ربهم ينظرون، وهذا من الكتاب.

أما من السنة: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم ينفخ إسرافيل في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتاً) أي: يرفع عنقه ليسمع ثم يصعق فيموت، قال: (فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتاً) ثم لا يبقى أحد إلا صعق، ثم ينزل الله مطراً كأنه الطل، فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا قيام ينظرون.

إذاً: النفخ مرتان فقط، وهو هذا الراجح الصحيح، وإن كان شيخ الإسلام ابن تيمية قد رجح أن النفخ في الصور ثلاث نفخات، والصحيح أنهما نفختان لظاهر الكتاب والسنة، فنفخة يصعق بها من في السماوات والأرض أموات غير أحياء، ثم النفخة الأخرى بعد أن يأمر الله السماء فتمطر هذا المطر فإذا هم قيام إلى ربهم ينظرون، ثم يبعثهم الله جميعاً، وهذا البعث ثابت أيضاً بالكتاب والسنة وإجماع أهل السنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>