للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إثبات صفة الاستواء على العرش]

صفة الاستواء على العرش لله الصحيح فيها أنها صفة ثبوتية فعلية، وصفة العلو المطلق صفة ذاتية، لكن صفة الاستواء علو مقيد متعلق بالعرش، فهذه صفة فعلية، ومعنى الاستواء: العلو والاستقرار، كأن تقول مثلاً: محمد استوى على الكرسي، أي: علا واستقر، وليس معناه: جلس؛ لأن هذا لا يقال أبداً في حق الله، فعندما نقول: الله استوى على العرش، يعني: علا واستقر لا علا وجلس كما جاء في بعض الآثار الموضوعة التي لا تصح، والصحيح الراجح: أنه علا واستقر كما قال: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود:٤٤] أي: استقرت، فالاستواء هنا معناه: العلو والاستقرار.

وهذه الصفة ثبتت لله بالكتاب وأيضاً بالسنة وبالإجماع: أما بالكتاب ففي أكثر من موضع، قال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]، وقال جل في علاه: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد:٤] والآيات في ذلك كثيرة تبين أن الله جل وعلا قد استوى على عرشه.

وأما في السنة فالحديث الذي في الصحيحين: (أن الله -جل وعلا- كتب كتاباً هو عنده فوق العرش) فأثبت العرش، وأيضاً حديث ابن مسعود حيث قال: (ما بين السماوات والأرض مسيرة كذا وكذا) وكذلك بين كل سماء وأخرى نفس المسيرة، ثم قال: (وما بين السماء السابعة والكرسي ماء، والله فوق العرش ويعلم ما أنتم عليه) وهذا هو قول ابن مسعود، وحكمه حديثياً الرفع؛ لأن هذا الأمر لا يدخله الاجتهاد، إذاً: لا بد أن يكون قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فحكمه حكم الرفع، والكلام على أسانيده يجعل الحديث صحيحاً، وفيه قال: (فوق العرش ويعلم ما أنتم عليه) وهو تصريح من السنة.

وأما في الإجماع: فقد أجمع أهل السنة والجماعة: على أن الله جل في علاه خلق العرش، واستوى عليه، فازداد العرش تشريفاً وتعظيماً، والعرش أحوج ما يكون إلى الله، فلا يضل امرؤ في هذه المسألة فيقول: إذا كان الله استوى على العرش فهو يحتاج إلى العرش، كما قال أهل البدعة حاشا لله، بل نقول: الله استوى على العرش، وهي صفة من صفاته تدل على كماله جل في علاه، لكن العرش يحتاج إلى الله لا أن الله جل وعلا يحتاج إلى العرش.

إن الله استوى على العرش، وهذا الاستواء دلالة على كماله وقوته وعظمته جل في علاه، والعبد إذا علم أن ربه قد استوى على العرش، وأنه يعلم ما هو عليه من صغيرة أو كبيرة أو دقيق أو جليل، خشي ربه وتعبد وسارع بالخيرات، وإذا خلا يوماً من الدهر لم يقل: خلوت، ولكن قال: علي رقيب؛ لأنه يعلم أن الله فوق العرش.

وإذا علم أن الله جل في علاه وهو فوق عرشه يدبر أمر خلقه؛ مال قلبه لربه جل في علاه، واطمأن لتدبير الله جل في علاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>