بين المصنف هنا بعضاً من علامات أهل البدع: وأنهم يتصفون بغير الإسلام والسنة؛ بل بما يحدثونه من البدع القولية والفعلية والعقدية، وأنهم يتعصبون لآرائهم؛ لأنهم يتبعون الأهواء، أما قاعدة أهل السنة فهي تقول: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه فلا تقل: قال الشيخ الفلاني ولا الشيخ العلاني، ولا تقل: قال الفقيه الفلاني أو المحدث العلاني، بل قل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أبدع وما أروع ما أجاب به الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين فقيه العصر عندما سئل: هل يجب على المرء أن يقلد مذهباً معيناً؟ فقال: نعم، يجب أن يقلد مذهب الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولا يفهم من هذا الكلام أننا لا نعرف قدر علمائنا ومشايخنا، بل نحن نعرف قدرهم وما هم عليه من العلم والفضل، ولكننا نمنع من الانجرار خلف من لا يعلمون بداعي الهوى والتعصب، بحيث نتنازل عن النعمة العظيمة التي وهبنا الله إياها، نعمة التدقيق والنظر في الأدلة والترجيح بين أقوال أهل العلم، فنحن نعرف لكل إنسان قدره، وننزل كل إنسان منزلته، عملاً بقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وعملاً كذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم:(لا يعرف لأهل الفضل فضلهم إلا أهل الفضل)، وقول الله تعالى:{َيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}[هود:٣]، ولذلك وصف أهل السنة أهل البدعة بأنهم يتعصبون لآرائهم، وأنهم لا يرجعون إلى الحق وإن تبين لهم، كما فعل الكوثري حديثاً، فقد كان يطعن في أبي هريرة، مع أنه محدث بارع، وما حمله على ذلك إلا التعصب المذهبي لمذهب الأحناف، فكان يسب أبا هريرة ناقل الشريعة؛ لأنه نقل حديثاً يخالف مذهب الأحناف، وكان يشتد على الكثير من الصحابة من أجل التعصب لمذهب الأحناف.
ومن علامات أهل البدعة أيضاً: أنهم يكرهون أئمة الإسلام والدين، فلا تكاد تجلس مع المبتدع إلا وأخذ يطعن في شيخ الإسلام ابن تيمية؛ زاعماً أن لا شيخ للإسلام؛ وأنه مجسم مشبه كما يزعمون، بل إن بعضهم يكفره، وهذا من منطلق عداوتهم لأهل السنة والجماعة، ويتكلمون ويغمزون أيضاً في ابن حجر والنووي، فهم يعلنون الحرب الضروس على منهج وأئمة أهل السنة والجماعة؛ ولذلك تجد أن أكثر من ناله السب والقدح هو شيخ الإسلام ابن تيمية؛ وذلك لأنه أشهر سيفه البتار في وجوه أصحاب البدع، فما ترك أحداً منهم إلا وأطاح برأسه بعلمه الغزير وحجته البليغة، فقد كان صاحب نظر ثاقب في الأدلة.
إذاً: فمن أهم العلامات التي يتصف بها المبتدع: حقده على أهل السنة والجماعة، وبغضه لهم، وأعلى هذه الطوائف: الرافضة، وهم الذين غلوا في آل البيت وكفروا من دونهم من الصحابة أو فسقوهم، وهم فرق شتى، فمنهم الغلاة الذين ادعوا أن علياً إله، ومنهم دون ذلك، ولذلك ذكر ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه على علي إحراقه لهؤلاء بالنار وقال له: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يعذب بالنار إلا الله)، ولذلك افتتنوا به لما أحرقهم، فكانوا يصيحون وهم يحترقون قائلين: لا يعذب بالنار إلا الله، وهذه دلالة على أنك الله، والعياذ بالله! وقد أراد الله جل وعلا أن يجعلهم يموتون على الكفر فتكون خاتمة السوء عليهم، وكان أول ظهور بدعتهم في خلافة علي بن أبي طالب حين قال له عبد الله بن سبأ: أنت الإله، فأمر علي بن أبي طالب بإحراقهم، وهرب هذا الضال المبتدع ابن سبأ، وعبد الله بن سبأ هذا يهودي الأصل، فهو يريد أن يخرب دين المسلمين كما هو شأن اليهود الذين خربوا دين النصارى من قبل.