فيتعبد المسلم لله بهذه الصفة، ويثبتها له سبحانه وتعالى، ويعلم أن لله بطشاً، وأن بطش الله شديد، وأن الله، {يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ}[الحج:٦٥]، ويعلم أن الله جل في علاه عزيز ذو انتقام، فيخشى ربه ويعظمه ويوقره، ويسأل الله أن يعطيه من خيره، فإن عطاء الله حسي ومعنوي، أما العطاء الحسي: فهو المادة التي يملأ الإنسان بها بطنه، وأما العطاء المعنوي: فهو نور القلوب ونور الإيمان الذي قال فيه شيخ الإسلام: إن في الدنيا جنة من دخلها دخل جنة الآخرة ألا وهي جنة الإيمان.
قال علماؤنا: ورزق الله رزقان: رزق حسي، وهو المادة، ورزق معنوي، وهو العلم، والفهم، والذكاء، والتعبد، والتذلل لله جل وعلا، والتدبر في أسماء الله وصفاته العلى، وهذا خاص بالقلوب، فكل ذلك رزق من الله جل في علاه، فيمين الله ملأى سحاء الليل والنهار لا يغيضها نفقة.
ولله سبحانه وتعالى يدان تليقان بجلاله وعظمته، وقد ذكرها في القرآن إما بلفظ المفرد المضاف إليه سبحانه كما في قوله تعالى:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[الفتح:١٠] والاسم المفرد إذا أضيف فإنه يفيد العموم كما في قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ}[إبراهيم:٣٤] فلا يوجد تعارض بينها وبين قول الله تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا}[يس:٧١]؛ لأنها قد شملتها وعمتها، وإما بلفظ التثنية كما في قوله تعالى:{مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[ص:٧٥]، وإما بلفظ الجمع كما في قوله:{مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا}[يس:٧١] ولا تعارض بين قول الله: (مما عملت أيدينا) وقوله: (لما خلقت بيدي)، ومن قال بوجوده فالرد عليه من وجهين: الوجه الأول: أصولياً، فبعض علماء الأصول يقولون: أقل الجمع اثنان، إذاً: قوله تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا}[يس:٧١] يصح أن تكونا اثنتين؛ لأن أقل الجمع اثنان.
وهذا الوجه وإن كان فيه ضعف إلا أن الأقوى منه أن نقول: الوجه الثاني: ثبت لله يدان بقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[ص:٧٥] وأما (مما عملت أيدينا) فتؤول على التعظيم.
فمما عملت أيدينا هنا للتعظيم، فلا منافاة بينها وبين الثنتين، ولا منافاة بينها وبين المفرد.
ويعضد ما ذهبنا إليه قول الله:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}[المائدة:٦٤].