قال صاحب الطحاوية: وإنا لا نكفر أحداً بذنب ما لم يستحله، ومعنى هذا أنَّ التكفير يدور على الاستحلال القلبي فقط وهذا إرجاء محض، والذي ينصر هذا الكلام لا بد له أن يراجع؛ لأن القول بأن التكفير محله القلب فقط لم يقله أحد من أهل السنة والجماعة؛ لأن معنى ذلك أن من سب الله ورسوله لا يكفر حتى يستحل ذلك بقلبه.
وقولنا بأن هذا القول قول كفر، أو هذا الفعل فعل كفر، وقولنا أن فلاناً كافر، فهذا مندرج تحت الفرق بين تكفير النوع والعين، فيمكن أن أقول: هذا الفعل فعل كفر أو القول كذلك، وأثبت ذلك بالدليل أن الله أو رسوله سماهما كفراً، فأنا أسميهما كما سماهما الله ورسوله، لكن تكفير القائل نفسه لا يمكن أن يتجرأ أحد ويخرجه من الملة، فهذه جرأة لا يمكن أن تغتفر للمرء، فإنه قد يتقحم النار على بصيرة، إلا إذا كان عالماً مجتهداً يعلم بالمسألة ويقيم عليها الحجة ويزيل عنها الشبهة.
فالغرض المقصود أنه من قال: إن التكفير لا يقع إلا على القلب فقط، فهذا الكلام غير مقبول بحال من الأحوال، فنحن لا نكفر أحداً استقبل قبلتنا، وأكل من ذبيحتنا إلا إذا استحل ذنباً أو وقع في فعل أجمع عليه العلماء مستندين بذلك للنص أن هذا الفعل أو القول كفر، كالذي يسجد لصنم مثلاً، أو الذي يسب الله أو يسب الرسول، أو يستهزئ بهما أو بأحدهما، فكل ذلك كفر يخرج صاحبه من الملة، إذا أقيمت عليه الحجة كما في مسائل معينة، ومسائل أخرى لا تقام عليه الحجة إن كانت من باب المعلوم من الدين بالضرورة.