[قواعد في صفات الله تعالى]
القاعدة الثالثة في صفات الله، وتحتها فروع: الأول: صفات الله كلها كمال من كل وجه؛ لأن الله جل وعلا قال: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل:٦٠]، وقال تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:٤]، وقال تعالى: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء:٤٣] فالله جل وعلا له العلو المطلق، وصفاته لها الكمال المطلق من كل وجه كالعزة، والرحمة، والكرم، والجود، والبر، والمن، والعطاء، والإحسان، والعطف، والرأفة.
وهناك كمال لكنه ليس من كل وجه وإنما كمال من وجه ونقص من وجه، مثل: المكر والاستهزاء والخداع، فأثبت لله الصفة حين تكون كمالاً، وانفِ عن الله الصفة حين تكون نقصاً، والمكر ليست من كل وجه صفة كمال، فإن العبد الماكر منبوذ {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل:٦٠]، لكن العبد الذي يمكر بالماكرين غير منبوذ بل يقال عنه: قوي عزيز، فالله يستدرج الماكرين ليعلموا قوته وعزته وكبرياءه، فتكون صفة كمال حين المقابلة، فتقول: يمكر بالماكرين، ويستهزئ بالمستهزئين، ويخادع المخادعين، لكن لا يصح أن تقول: الله ماكر، الله مخادع، حاشا لله! فهذا تنقيص من قدر الله جل في علاه.
فلا بد في الصفات التي فيها كمال من وجه ونقص من وجه أن تصف الله بها حين تكون كمالاً، وتنفيها عن الله حين تكون نقصاً.
الفرع الثاني في الصفات: قال صفات الله تنقسم إلى قسمين: ثبوتية وسلبية، فالثبوتية هي التي أثبتها الله على لسانه، وأثبتها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، وإثبات اللسان لله أو نفيه عنه مما سكت عنه السلف فنكست كما سكت السلف، فلا نقول: له لسان ولا نقول: ليس له لسان؛ لأن الله سكت عنه ونحن يسعنا ما وسع الشرع، قال الله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:٣٦].
إذاً: الصفات الثبوتية هي التي أثبتها الله لنفسه في كتابه كالعزة والكبرياء وغيرها، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم كقوله: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، وقوله: (يكشف الله عن ساقه)، فالنبي صلى الله عليه وسلم أثبت لله الساق، وأثبت لله الكلام، فهي ثبوتية؛ لأنها ثبتت بالكتاب وثبتت بالسنة، والصفات السلبية هي التي نفاها الله عن نفسه في الكتاب ونفاها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [يونس:٤٤]، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:٤٦]، {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:٣٨]، فهو ينفي هذه الصفات عن نفسه، وقال الله تعالى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ} [البقرة:٢٥٥]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ينفي عن ربه النوم: (إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام)، فالنوم صفة سلبية أي: منفية نفاها الله عن نفسه ونفاها عنه رسوله؛ لأنها صفة نقص وكل صفة نقص، فهي منفية عن الله سبحانه وتعالى.
الفرع الثالث: الصفات الثبوتية، وتنقسم إلى قسمين: ذاتية وفعلية، ويزاد على ذلك الخبرية؛ لأن الشيخ في التقعيد يرى أن الخبرية تنزل منزلة الذاتية، والصفة الذاتية هي التي لا تنفك عن الله بحال من الأحوال مثل الحياة، فالحياة صفة ذاتية؛ لأنها لا تنفك عن الله، فهي أزلية أبدية، أي: أن الله متصف بها أزلاً وأبداً كالعزة، فإن الله متصف بها أزلاً وأبداً، وهكذا جميع الصفات الذاتية، والصفة الفعلية: هي الصفة المتجددة التي يمكن لله أن يتصف بها في وقت دون وقت، كأن يتصف بها اليوم ولا يتصف بها غداً، كالكلام، فإن الله جل في علاه تكلم مع موسى حين جاء موسى للشجرة، فهو يتكلم متى شاء، وكذلك النزول ينزل الله ثلث الليل ولا ينزل في النهار.
فالصفات الفعلية تتجدد، وهي متعلقة بمشيئة الله إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، إن شاء استوى وإن شاء لم يستو، إن شاء تكلم وإن شاء لم يتكلم، إن شاء أعطى وإن شاء لم يعط، والاستواء صفة فعل.
والصفات الخبرية هي التي مسماها عندنا أجزاء وأبعاض، كاليد فهي جزء مني وهي صفة لله، فالضابط أن مسماها عندنا جزء وبعض، وكالعين، فهي صفة لله وهي جزء مني، والساق صفة لله وهي جزء مني، هذا معنى الصفات الخبرية.
وصفة الحياء صفة ذاتية، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب:٥٣]، أي: أنه يقول الحق، فالذي يكتم الحق جبان، ولذلك الحياء ممدوح ومذموم، فالحياء المذموم أن تستحي من الحق، والحياء الممدوح أن تقول الحق، وصفة الكرم فعلية وأصلها ذاتية؛ لأنه إن شاء أكرم وإن شاء لم يكرم، لكن في الحياء الله يستحي، حتى إنه لما تكلم عن جماع الرجل لامرأته كنى وقال: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء:٤٣]، قال ابن عباس: ((لامَسْتُمُ النِّسَاءَ))، معناها: جامعتم، فانظروا إلى حياء القرآن! أما الكرم فإن شاء أكرم وإن شاء لم يكرم.
إذاً: الصفات ذاتية وفعلية وخبرية.
الفرع الرابع: كل صفة من صفات الله فإنه يتوجه عليها ثلاثة أسئلة -يقصد بذلك الإمام العلم رحمة الله عليه: التكييف والتمثيل والتشبيه- السؤال الأول: هل هي حقيقة أم هي مجاز؟ السؤال الثاني: صفة اليد لها كيفية معلومة أو مجهولة؟ السؤال الثالث: هل تماثل صفات المخلوقين أم لا؟ الإجابة على ذلك: أن الصفات المثبتة لله لا بد أن نثبتها بلا تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف ولا تحريف، والمماثلة: المطابقة في الصفة، كقول: يد الله مثل يد محمد -أعوذ بالله- والمشبهة يقولون ذلك حاشا لله، هذا معنى التمثيل، لكن أنا أثبت لله يداً لا تماثل يد المخلوقين؛ لقول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، وبلا تشبيه، والتشبيه هو أن يقول: إن صفة الله تقارب صفة العبد، مثل أن يقول: عين الله تقارب عين المخلوق، هذا معنى التشبيه، وحاشا لله؛ لأن صفاته لا تشبه صفات المخلوق، وبلا تكييف، والتكييف أن تقول: كيفية يد الله كذا، فتأتي لها بمماثل، وتكيف لله جل وعلا وتصوره في الذهن، هذا لا يجوز أيضاً؛ لأن الله قال: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:١١٠].
والإنسان لا يكيف الصفة إلا إذا رأى صاحب الصفة، وهو لم ير الله، أو أخبره من رأى صاحب الصفة بكيفية الصفة، ولم يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بكيفية الصفة، أو وجد مثيلاً لصاحب الصفة فينظر إليه فيقول: كيفية صفته ككيفية صفة المثيل، والله يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١].
إذاً: نثبت الصفة لله بلا تمثيل، ولا تشبيه، ولا تكييف، ولا تأويل، ولا تحريف، وهذه هي القاعدة الأولى: أننا نمرر ظاهر اللفظ على ظاهره.