[الرد على الذين نفوا صفة الوجه لله تعالى]
فهل تركنا أهل البدعة والضلالة ننعم بهذه الصفات الجميلة؟ وأنا أقول: كل مبتدع حجب عن ربه، وحجب عن هذه الصفة أنَّى له أن يتعبد بها لله، فقد جاء المعطلة وهم قسمان: قسم يعطل تعطيلاً كاملاً، وقسم يعطل تعطيلاً ناقصاً.
والتعطيل الكامل هو التعطيل المحض، وهو نفي الصفة والاسم معاً، والتعطيل الناقص هو تعطيل الصفة دون الاسم.
ويتفق المعتزلة مع الجهمية على نفي صفة الوجه لله، وهم بهذا يردون كتاب الله جل في علاه، وأما الأشاعرة فحرفوا، وهم كثير في عصرنا وفي كل العصور، فيقولون: قول الله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن:٢٧] أي: ويبقى ثواب ربك، فحرفوا، ولا أقول: أولوا، ولكن أقول حرفوا الكلم عن مواضعه وكأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا وقال: (اللهم إني أسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم) يريد: ارزقني لذة النظر إلى ثوابك الكريم، وهذا كلام بعيد وشديد البطلان.
فأقول: الرد على هؤلاء الذين حرفوا وجه الله إلى الثواب هو أن نقول لهم: لقد خالفتم ظاهر القرآن، فما هو ظاهر القرآن؟ وهذه قاعدة مهمة، وسنرد بها عليهم في كل آية يؤولونها إلى غير معناها الصحيح.
فظاهر قول الله تعالى: (ويبقى وجه ربك) أن لله وجهاً، وأنتم خالفتم ظاهر القرآن، ونقول لهم: هل كلمنا الله بلغة أعجمية؟
الجواب
لا، بل كلمنا الله بلغة نعلمها ونفقهها: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:١٩٥] {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:٢] فإذا قال الله: لي وجه؛ عقلنا أن له وجهاً يليق به، ومخالفة ظاهر القرآن قدح في حكمة الله؛ لأن الله جل وعلا ما أنزل هذا الكتاب إلا من أجل أن نعقل هذه الصفات ونتعبد بها لله، فإن كان الله سينزل علينا كتاباً لا نعقل منه حرفاً فهذا خلاف حكمة الله جل في علاه.
وقد قال الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:٨٩] فإذا قلت: الوجه هو الثواب فهل هذا تبيان لكل شيء؟ لا، بل هذا تعمية على كل شيء، فكأن الله يقول: ما أريد هذا اللفظ، ابحثوا عن لفظ آخر، وإذا اعتقدتم هذا الاعتقاد فهذا اعتقاد كفري وضلال مبين؛ لأنكم خالفتم ظاهر القرآن، وظاهر القرآن أن لله وجهاً فنثبت لله وجهاً.
وخالفتم ظاهر السنة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم) فهل الله جل وعلا لا يستطيع أن يقول: ويبقى ثواب ربك؟ أم أنه عيي؟ حاشا لله! بل هو الذي علمنا ذلك، وجعل اختلاف الألسن آية من الآيات، فلو كان الله يريد الثواب مكان الوجه لقال: ويبقى ثواب ربك، وأيضاً: النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم) إذا كان المراد بذلك الثواب ففيه قدح في النبوة من وجوه كثيرة: الوجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر بالبيان، وقد قال الله تعالى له: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:٤٤] فلو كان الوجه في هذه الآية يراد به الثواب لكان لزاماً على رسول الله الذي أمر بالتبيين أن يبين لنا ويقول: الوجه في هذه الآية التي في سورة الرحمن المراد به الثواب، ولكنه لم يفعل؛ فدل على أن الثواب ليس المراد.
والوجه الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الوجه على حقيقته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصر في البلاغ، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:٦٧] وعندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم هل بلغت؟ قالوا: قد بلغت، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء وأومأ بإصبعه يقول: اللهم فاشهد، اللهم فاشهد) فقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم البلاغ.
والذي يقول: الوجه هو الثواب يقدح في بلاغ النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه يقول: إن رسول الله قد قصر في بيان كلام الله جل في علاه.
والأمر الثاني: نقول: قال الله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن:٢٧]، ولم يقل: ويبقى ثواب ربك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أسألك لذة النظر إلى وجهك) ولم يقل: أسألك لذة النظر إلى ثوابك، فهل أنتم أيها الأشاعرة المبتدعة أعلم بالله من الله؟ فإن قالوا: نعم، كفروا، وإن قالوا: لا، لسنا أعلم من الله بالله، قلنا: الذي هو أعلم بنفسه قال: إن له وجهاً، فعليكم أن تسلموا بقوله.
وأيضاً: نقول لهم: أأنتم أعلم بالله من رسول الله؟ فإن قالوا: لا، لسنا بأعلم بالله من رسول الله قلنا: فإن رسول الله الذي هو أعلم بالله قال: (أسألك لذة النظر إلى وجهك) ولم يقل: ثوابك، فيسعكم ما وسع رسول الله، ولا وسع الله على من لم يسعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أثبت لربه الوجه، وحينئذ تسلم لنا الأدلة.
فصفة الوجه لله صفة خبرية ذاتية لا تنفك عن الله جل في علاه، ولا تتعلق بالمشيئة، وضابطها عندنا: أن مسماها أجزاء وأبعاض، فالوجه جزء مني، والساق جزء مني، واليد جزء مني، والعين جزء مني، لكن بالنسبة لله هي صفة خبرية، وسميناها خبرية: لأننا لا نعلمها إلا من طريق الخبر، أي: الكتاب والسنة؛ لأن العقل لا يمكن أن يثبت هذا.