[فوائد الحمد والشكر]
فوائد الحمد والشكر كثيرة أهمها: الفائدة الأولى: حب الله جل في علاه، فإن العبد الذي يحمد الله على النعم التي أسداها الله إليه يكون محبوباً عند الله جل في علاه، ودرجات المحبة متفاوتة عند الله جل في علاه.
أما الدليل على ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما أحد أحب إليه المدح من الله)، والحمد أصله المدح والثناء الحسن على الله جل في علاه، فالله يحب ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن الله يحب إذا أكل أحدكم الأكلة أن يحمده عليها، وإذا شرب الشربة أن يحمده عليها)، فهذه دلالة صريحة على أن الله يحب من العبد الحمد، وإذا حمد العبد الله أحبه الله، فإذا أحبه الله جعل له القبول في الأرض، كما في الصحيحين: (إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يكتب له القبول في الأرض).
وإذا أحب الله عبداً نقله من درجة المحبة إلى درجة المحبوبية، فإن الله إذا أحب عبداً عصمه من السيئات، وإن أساء فإن الله يلهمه التوبة.
وأيضاً: إذا أحب الله عبداً سهل له أموره، وفتح له كل أبواب الطاعة، وأغلق عليه كل أبواب المعصية، وفتح له أبواب العلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) فالتفقه في الدين من محبة الله للعبد، فإن الله إذا أحب عبداً بصره بالطريق الذي يسير فيه إلى الله جل في علاه، وجعله يرتقي إلى المعالي والدرجات العلى عند الله مع الأنبياء والمرسلين.
والعبد الذي يحبه الله جل في علاه لا يخلو من بلاء أيضاً، فقد قال الإمام مالك: من لم يبتل فليشك في إيمانه، وفي محبة الله له، والدليل على ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الترمذي بسند صحيح أنه قال: (إذا أحب الله قوماً ابتلاهم) فالابتلاء شرط في محبة الله للعبد.
والبلاء أنواع: بلاء حسي، وبلاء معنوي، فالبلاء الحسي: كالتضييق في المال مثلاً، وكالمرض والحوادث، والبلاء المعنوي: كالهم، والغم، والحزن، ورسوب الأولاد وغيرها.
وابتلاء الله للعبد دلالة على محبته، كما في سنن الترمذي أو النسائي: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني أحب الله ورسوله، قال: انظر ما تقول، قال: أحب الله ورسوله، فقال: فأعد للفقر تجفافاً) أي: استعد للبلاء؛ لأن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط، فمحبة الله جل في علاه تحققت من كثرة الحمد وكثرة الشكر؛ ولذلك فإن الله مدح عبده نوحاً بأسمى ما فيه، فقال: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء:٣] واختار ربنا جل في علاه أفضل الأسماء لنبيه وأكرم الخلق عليه وأحبهم إليه فهو خليله محمد صلى الله عليه وسلم فمن أسمائه محمد وأحمد، ومعناهما كثير الحمد وكثير المحامد؛ وكان الكفار إذا أرادوا أن يذموا محمداً كانوا يقولون: مذمماً، ومن أخلاقياته العالية أنه كثير الحمد لله جل في علاه.
ودرجات المحبة عند الله: درجة المحبة، ودرجة المحبوبية.
فدرجة المحبة: هي أول درجات المحبة عند الله جل في علاه، ويرتقي إليها المرء بفعل الواجبات كالصلوات الخمس، والانتهاء عن المحرمات.
والمرأة إذا أدت الفرائض، وانتهت عن المحارم، وأطاعت زوجها؛ بلغت درجة المحبة أو أرقى من ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن المرأة إذا أرضت ربها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها، فطاعتها لزوجها هو الركن الركين؛ ولذلك لما جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (انظري أين هو منك؟ فإنما هو جنتك ونارك) أي: فلا تدخلي الجنة إلا بطاعته، فإذا عصيته فإن الله جل وعلا لا يرضى عنك وسيدخلك النار، فقد ورد في مسند أحمد بسند صحيح: (أن المرأة إذا أطاعت زوجها وأطاعت ربها كانت كالمجاهد)، أي: فقد بلغت درجة الجهاد في سبيل الله؛ لأنها أرضت الله في حسن تبعلها لزوجها.
فالمرأة غير الرجل، فالرجل إذا أتى بالفرائض وانتهى عن المحرمات بلغ درجة المحبة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بأحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) وهذه درجة المحبوبية التي هي أرقى من درجة المحبة، وهذه الدرجة لا ينزل عنها العبد أبداً حتى وإن عصى؛ لأن الله جل في علاه فتح له باب المعصية ليبتليه ويعلمه أن الله إذا وكله إلى نفسه فقد وكله إلى هلاك وضلال، وأن الله جل وعلا إذا لم يحطه بكفالته سيصبح فريسة لهواه وللنفس وللشيطان، وإن الله جل وعلا يكتنفه بفضله وبرحمته؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يدعو ويقول: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين).
فإن العبد المحبوب لدى ربه إذا وكله إلى نفسه أراد أن يعلمه أنه إذا وكل إلى نفسه فإنه وكل إلى بوار وإلى هلاك، وأيضاً أراد أن يعرفه بأن الله جل وعلا هو الذي يتفضل عليه بحفظه وعصمته من الشيطان، فإذا عصى ألهمه بعد ذلك التوبة ليرتقي منزلة فوق المنزلة التي هو فيها.
الفائدة الثانية من فوائد الحمد والشكر: تثبيت النعم، فإن النعمة -التي أسداها الله للعبد- لا تثبت إلا بالشكر، ولذلك قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الأنفال:٥٣] أي: يغيروا ما في قلوبهم، فلا يقرون بأن هذه نعمة الله جل في علاه، ولا يشكرون ربهم، فتثبيت النعم بالشكر.
الفائدة الثالثة وهي مهمة جداً: زيادة النعم، فإن النعم يولد بعضها بعضاً، بسبب الشكر، والدليل على ذلك قول الله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:٧].
وقال علي بن أبي طالب: الدين قسمان: قسم صبر وقسم شكر، فمن أتى بالصبر فقد أتى بنصف الدين، ومن أتى بالشكر فقد أتى بالكمال، فإذا أتى بالكمال بلغ المنازل العلى عند ربه جل في علاه.