وأول شيء يحاسب عليه المرء في حقوق العباد: هي الخصومات والدماء، فإذا تجاوز المرء الحساب وكان حسابه يسيراً وقد كتب الله له الجنة فإنه يقف على الصراط، ولا يعبر ولا يمر حتى يقضي الله جل في علاه في الخصومات في هذا المكان والمحل، فكل إنسان له مظلمة عند أخيه حتى الدرهم والدينار فلا بد من القصاص حتى يرى منزله من الجنة أو من النار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من كان له عند أخيه مظلمة فليتحلل؛ فإنه ليس ثمة درهم ولا دينار إنما الحسنات والسيئات)، فيقف الخصم مع خصمه على الصراط ولا يمرا حتى ينظفا من هذه البلايا، فيقضي الله جل في علاه بين هؤلاء المتخاصمين سواء في الدماء، أو في الأموال أو غيرها، لكن أول شيء يقضى فيه بين العباد: هو الدماء.
ولذلك جاء في مسند أحمد عن عائشة بسند صحيح قالت: لله ثلاثة دواوين: ديوان لا يغفره أبداً، وديوان لا يتركه أبداً، وديوان هو في المشيئة، وإذا كان في المشيئة فهو إلى المغفرة أقرب إليه من العقاب؛ لأن الله جل وعلا اتصف بالمغفرة والرحمة.
قالت: فالديوان الذي لا يغفره الله أبداً: هو ديوان الشرك، كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:٤٨].
والديوان الذي لا يتركه الله أبداً: هو ديوان المظالم الذي هو حقوق العباد؛ ولذلك لا يعبر أحد الصراط حتى يقتص منه، فعلى كل إنسان له مظلمة عند أخيه أن يتحلل؛ لأن يوم القيامة ليس ثمة درهم ولا دينار كما بين النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة ذات يوم فقال:(أتدرون من المفلس؟ قالوا: من لا درهم له ولا دينار، فقال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بحسنات كالجبال، فيجيء وقد سب هذا، وشتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، حتى إذا لم تبق له حسنة واحدة أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) نعوذ بالله من ذلك، فمن كانت له عند أخيه مظلمة فليتحلل، فإما أن تستسمحه، وإما أن يتنازل عن حقه، فعلى المؤمن أن يتحلل من أخيه بأية وسيلة؛ فعند الله تجتمع الخصوم ويقضى بين العباد.