والتأصيل العام للشفاعة أنها كلها لله كما قال الله تعالى:{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا}[الزمر:٤٤] فإذا كانت الشفاعة لله جل في علاه فإنه لن يؤذن لأحد أن يشفع إلا بالشروط التي بينها الله جل في علاه، فلا يمكن لأحد أن يشفع دون إذن الله جل في علاه؛ للفارق بين الخالق والمخلوق، فالمخلوق لك أن تشفع عنده دون أن تستأذنه، أما الله جل في علاه سبحانه وتعالى فلا يشفع أحد عنده إلا بإذنه.
والشفاعة شفاعتان: شفاعة مثبتة، وشفاعة منفية.
والشفاعة المنفية: هي الشفاعة لأهل الشرك، ولا يمكن أن يقبل الله شفاعة لأهل الشرك، والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة، أما من الكتاب فقول الله تعالى:{أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ}[البقرة:٢٥٤] وقوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ}[البقرة:٤٧ - ٤٨] فنفى الشفاعة هنا، وهذه الآية مجملة، والدليل على أن المقصود بها الشفاعة للكافرين هو قول الله تعالى عن الكافرين:{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}[المدثر:٤٨] وقول الله على لسانهم وهم في النار: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ}[الشعراء:١٠٠ - ١٠١].
إذاً: الشفاعة المنفية هنا هي الشفاعة لأهل الشرك، فلا يمكن أن يقبل الله جل في علاه شفاعة لأهل الشرك.
وأما استغفار إبراهيم ثم إتيانه يوم القيامة ليشفع في أبيه فإنه سيتبرأ منه كما قال الله تعالى:{فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}[التوبة:١١٤] وهذه أظهر الآيات في الدلالة؛ فإن إبراهيم عليه السلام لا يمكن أن يشفع في أبيه، فمن باب أولى غيره.