سب الصحابة على ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يقدح في دين الصحابة، كقول غلاة المعتزلة: بأن الصحابة ارتدوا جميعاً بعد موت رسول الله إلا أربعة عشر نفراً فقط.
القسم الثاني: أن يقدح في بعض أمور دينهم، ولا يخرجون من الملة، كمن يقول: إنهم فيهم نفاق وإنهم يحبون الدنيا وكانوا يقاتلون عليها.
القسم الثالث: أن يقدح في أشخاصهم، كمن يقول: هذا خطير، أو هذا يأكل كثيراً، أو هذا فيه كذا وكذا.
فالإمام مالك يرى أن القدح في الصحابة كفر، ويستدل بقول الله تعالى:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}[الفتح:٢٩] إلى أن قال: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}[الفتح:٢٩] فقال: من تغيظ على الصحابة في أي شيء فهو كافر، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة فإنهم قالوا: من أخرج الصحابة من الدين فإنه كافر يخرج من الملة؛ لأنه كذَّب الله جل في علاه في تعديله لهم، قال تعالى:{وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا}[الفتح:٢٦] وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ}[التوبة:١٠٠].
فمن أخرج الصحابة من الدين، فإنه كافر بالاتفاق.
أما النوع الثاني: وهي أن يقدح في بعض دينهم، كمن يقول: يريدون دنيا ولا يريدون الآخرة، فقد اختلف العلماء في ذلك: فبعض أهل العلم شدد في مكانة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفر من فعل ذلك، ودليله في ذلك عندما قال أحد الركب وهم يتسامرون: ما نرى أصحابنا إلا أنهم أرغب بطوناً وأجبن عند اللقاء، فأنزل الله جل في علاه:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}[التوبة:٦٥] فذهب الرجل يعتذر للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله:{لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}[التوبة:٦٦].
والاستهزاء نوعان: استهزاء بالدين، كمن يقول: اللحية كالمكنسة، فالدين هو الذي أمر بها، فالاستهزاء بالدين نفسه يكفر صاحبه بالاتفاق.
واستهزاء بالشخص: والصحيح الراجح أنه لا يكفر لكنه على خطر عظيم.
أما حكم القسم الثالث: أنه لا يكفر بالاتفاق لكنه يعزر بأن يحبس أو غير ذلك.