للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - الأبوان، ويقوم المجتمع بدور الأبوين في حال فقدهما، وهذا المؤثر هو أقوى المؤثرات، وأخطرها؛ لشدة التصاق الأولاد بآبائهم وقوة تأثيرهم عليهم، وقد دل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم، وقد قدمت الشياطين على الآباء؛ لأن الشياطين هي المؤثر الخارجي الأول في انحراف الآباء أنفسهم.

٣ - الغفلة: وهي المؤثر الثالث في انحراف هذه الفطرة، كما دلت على ذلك آية سورة الأعراف.

ولسائل أن يسأل: ما هي فائدة الفطرة وهي على هذه الحال من الضعف، حيث تتأثر بهذه المؤثرات الخارجية التي تؤدي إلى انحرافها، ولا يكاد الإنسان ينفك عن واحد من هذه المؤثرات والصوارف، أو كلها؟

والجواب عن ذلك أن يقال: إن حكمة الله اقتضت جعل الفطرة بهذه الحال؛ ليتحقق الغرض من ابتلاء الإنسان بالخير والشر، ومن ثم جزاؤه على عمله؛ إذ لو كانت الفطرة قوية لا تتأثر بشيء لما وقع الكفر والانحراف في بني آدم، بل صاروا غير قابلين للكفر، فلا يتحقق الابتلاء، ولله الحكمة البالغة.

ومع ذلك فإن لهذه الفطرة فوائد عديدة منها:

أولاً: أن هذه الفطرة غرزت في النفس البشرية التدين والتعبد لله تعالى، فإذا لم يهتد الإنسان إلى الله عز وجل فإنه يُعبِّد نفسه لأي معبود آخر؛ ليشبع في ذلك نهمته إلى التدين، وذلك كمن استبد به الجوع فإنه إذا لم يجد الطعام الطيب الذي يناسبه فإنه يتناول كل ما يمكن أكله ولو كان خبيثاً ليسد به جوعته.

وهذا ما يفسر لنا وجود التدين عند عموم البشر، وقد يكون الدين والمعبود في كثير من الأحيان باطلاً.

ثانياً: أن هذه الفطرة جعلت في جبلة الإنسان قبول العبودية والانسجام مع لوازمها، وهذا من الأمور المهمة للإنسان، لأن كل ما لا يتفق مع الفطرة فإن النفس تنفر منه ولا تستجيب لمتطلباته.

ثالثاً: أن هذه الفطرة مرجحة للحق، فإذا تعرف الإنسان على دينين حق وباطل، فإن الفطرة تميز بينهما وتميل إلى الحق، بل يقع ذلك في قرارة النفس ويتيقن القلب منه، فإما أن يعلن ذلك ويلتزم به، أو لا يستجيب له بسبب هوى، أو خوف، أو إلف وتقليد ونحو ذلك من الصوارف عن الحق. كما قال عز وجل عن فرعون وقومه وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل: ١٤].

رابعاً: أن هذه الفطرة تهب للمهتدي يقينا بالحق الذي هو عليه، وإن لم يكن عنده من الأدلة النظرية ما يهبه هذا اليقين، وهذا يفسر لنا - والله أعلم- عدم ترك المسلم لدينه رغبة عنه، وما ذلك إلا لتناسبه مع فطرته، فيعطيه ذلك يقينا بأنه الحق، وكذلك من اهتدى إلى الإسلام من ذوي الأديان الأخرى الباطلة، فإنه يتمسك به تمسك الغريق بحبل النجاة، وما ذلك إلا لتيقنه من أن هذا الدين هو الحق؛ لتناسبه وانسجامه مع الفطرة. والله أعلم.

المصدر:دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف – ص ٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>