للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حرص قاسم على تبرئه نفسه من تهمة الدعوة إلى تقليد الغرب في مناداته بهذه الفكرة (١٥) مدعياً أن الدافع الوحيد هو الحرص على الأمة والغيرة على الدين والوطن، فهو يزعم أن أصل فكرته هو الرد على "داركور" المستشرق الذي هاجم الحجاب، ولست أدري ماذا ترك قاسم لداركور ‍‍‍!

لكن كتابه الثاني "المرأة الجديدة "يكذب ادعاءاته تلك فهو يقول فيه:

"هذا هو الداء الذي يلزم أن نبادر إلى علاجه وليس له دواء إلا أصولها وفروعها وآثارها، وإذا أتى ذلك الحين - ونرجو ألا يكون بعيداً -انجلت الحقيقة أمام أعيننا ساطعة سطوع الشمس وعرفنا قيمة التمدن الغربي وتيقناً أن من المستحيل أن يتم إصلاح ما في أحوالنا إذا لم يكن مؤسساً على العلوم العصرية " (١٦).

وقد طبق ذلك في بيته فأحضر لابنتيه مربيتين - إحداهما فرنسية والأخرى إنجليزية (١٧) وظل قاسم حريصاً على دعوته داعياً إلى فكرته "إلى آخر نسمة من حياته القصيرة ففي ليلة وفاته بالسكتة القلبية في ٢٣ أبريل ١٩٠٨م كان يقدم طالبات رومانيات في نادي المدار العليا " (١٨).

وقد ناصر قاسماً وأيده كثير من الزعماء والأدباء والصحفيين، منهم غير من ذكرنا سلفاً الشاعر ولي الدين يكن الذي يقول من قصيدة له:

أزيلي الحجاب عن الحسن يوماً ... وقولي مللتك يا حاجبه

فلا أنا منك ولا أنت مني ... فرح ذاهباً ها أنا ذاهبة (١٩)

والشاعر العراقي الزهاوي، ومن ذلك قوله:

هزأوا بالبنات والأمهات ... وأهانوا الزوجات والأخوات

هكذا المسلمون في كل صقع ... حجبوا للجهالة المسلمات

سجنوهن في البيوت فشلوا ... نصف شعب يهم بالحركات

منعوهن أن يرين ضياء ... فتعودن عيشة الظلمات

إن هذا الحجاب في كل أرض ... ضرر للفتيان والفتيات

وكانت الصحافة أعظم المؤيدين للفكرة التي انتشرت في بلاد الشام والمغرب على أثر نجاحها في مصر.

أما بلاد الشام فمن الواضح أن الدعوة فيها تعرقلت بالنسبة لمصر حتى إن أول كتاب يتحدث عنها لم يصدر إلا سنة ١٩٢٨م أي بعد وفاة قاسم بعشرين سنة، وهو الكتاب الذي ألفته - أو ألف باسم - نظيرة زين الدين بعنوان "السفور والحجاب " ولعل مما يثير الانتباه أن الذي قرظه هو علي عبد الرازق صاحب (الإسلام وأصول الحكم) وكان مما قال:

"إني لأحسب مصر قد اجتازت بحمد الله طور البحث النظري في مسألة السفور والحجاب إلى طور العمل والتنفيذ، فلست تجد بين المصريين إلا المخلفين منهم من يتساءل اليوم عن السفور هو من الدين أم لا ومن العقل أم لا ومن ضروريات الحياة الحديثة أم لا بل نجدهم حتى الكثير من الرجعيين المحجبين منهم يؤمنون بأن السفور دين وعقل وضرورة لا مناص لحياة المدينة عنها".

هذا من الوجهة النظرية أما التطبيق الواقعي للفكرة فقد حمل العبء الأكبر منه الحركة التي أسميت "حركة النهضة النسائية " وأشهر رائداتها: هدى شعراوي وسيزا نبراوي سكرتيرتها، وباحثة البادية ومنيرة ثابت، وقد التف حولهن عصبة ممن خلعن رداء الحياء وسخرن أنفسهن لخدمة الدوائر الصليبية.

في ذلك الجو العاصف انبرت هدى ورفيقاتها للدفاع عن حقوق الوطن وطرد المحتلين ولكن بماذا؟ لقد خرجن في مظاهرة ومزقن الحجاب وأحرقنه في ميدان عام، وكان هذا أعظم إسهام منهن في الثورة، وإذ حدث أن الجنود البريطانيين - لحاجة في نفس يعقوب - طوقوا الشوارع ساعة المظاهرة واعتدوا على بعض المتظاهرات – فقد بدا ذلك في أعين الشعب محاولة من بريطانيا لمنع المرأة المصرية من التحرر، وبذلك اكتسبت الحركة صفة البطولة الوطنية!! (٢٣).

وتظهر الحقيقة أجلى وأوضح إذ علمنا أنه في تلك الفترة نفسها كان أتاتورك يهدم الإسلام تحت زيف البطولة الوطنية أيضاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>