لقد اعتبرت هذه البطولة مبرراً كافياً للانقضاض على الأخلاق بل لمهاجمة أحكام الإسلام علانية، إذ ردد دعاة الإباحية قولهم: أليس الجنس اللطيف الذي أدى دوره في الثورة الوطنية بإخلاص جديراً بأن يتساوى في كل شيء مع الجنس الخشن؟ أتريدون أن تقدم المرأة للوطن كل شيء ولا يقدم الوطن لها شيئاً؟.
ولكن الحق لم يلبث أن انكشف وإذا بالحركة النسائية في حقيقتها حركة عملية مريبة ترتبط خارجياً بالدوائر الاستعمارية وداخلياً بالزعماء المصطنعين.
....... وكان من ثمرة الحركة النسائية ولادة الصحافة النسائية، فقد صدرت مجلة "فتاة الشرق " قبل الحرب العظمى الأولى، ومما تجدر الإشارة إليه أن كل عدد من أعدادها يحوي نماذج وصوراً لأزياء الشهر (٣٠). التي ظهرت في أوروبا، الأمر الذي مهد لوقوع المرأة المسلمة في شباك مصيدة الأزياء اليهودية كما وقعت المرأة النصرانية في الغرب.
وأسهمت المجلات غير النسائية بنصيبها في الحركة فكانت "الهلال " ومثلها المقتطف والعصور تنشر إلى جانب المناقشات الفكرية للموضوع صور المتبرجات من شرقيات وغربيات وتحيطها بهالة من التعظيم تغري القارئات بمحاكاتهن.
وفي المجال التعليمي حرص لطفي السيد وطه حسين وأتباعهما على أن يكون التعليم مختلطاً فيه الذكور والإناث واشتد الصراع في الجامعة من أجل ذلك، وكتب الرافعي "شيطان وشيطانه" رداً على طه حسين وسهير القلماوي، كما كتب مقالاً يحيي فيه طلبة الجامعة الذين رفضوا الاختلاط (٣١) ولكن الانتصار كتب لدعاة الاختلاط، فقد كان في صفهم الزعماء السياسيون – ومعظم الصحف، وكل القوى الدخيلة من مبشرين ومستشرقين في الجامعة وغيرها، إذ أن هذه القوى مجتمعة فزعت لظهور الحركة الإسلامية الطلابية وحاربتها أشد الحرب.
ولم يقنع الكتاب النسائيون بما حققته الدعوة من مكاسب ونجاح ولعل مرد ذلك إلى أن الأسياد ينتظرون المزيد، بل ظلت الحرب النفسية مستمرة فبعضهم يغرق في المبالغة والوهم حتى يجعل وضع المرأة هو المسئول عن مشكلات مصر من أولها إلى آخرها، كما قال سلامة موسى:
"تعدد مشكلاتنا يوهم اختلافها في الأصل وإنها لا يتصل بعضها ببعض، ولكن المتأمل المفكر يستطيع أن يجد النقطة البؤرية لجميع هذه المشكلات والنقطة البؤرية الوحيدة هنا هي أن نظامنا الإقطاعي في نظرته للعائلة ومركز المرأة والأخلاق الأبوية والنظرة الاجتماعية، كل هذا يعود إلى مشكلة واحدة هي أن آراءنا الإقطاعية القديمة التي ورثنا معظمها عن الدولة الرومانية الملعونة (لا يريد أن يعترف بالإسلام) لم تعد تصلح للحياة العصرية وأن متاعبنا وأرزاءنا واصطداماتنا تنبع من هذا الكفاح الذي نكافحه نحو ديمقراطية جديدة نتخلص بها من الحياة الإقطاعية ") ٣٢).
أما إسماعيل مظهر فقد جمع شبهاته القديمة وآراء غيره ونسقها في كتاب أسماه (المرأة في عصر الديمقراطية) جاء فيه:
.......... "لقد اتخذ الرجعيون الذين يرهبون التطور فرقا من أوهام سلطت عليهم أو رغبة في بسط سلطانهم على النساء من بضعة نصوص أشير بها إلى حالات قامت في عصور غابرة سبيلاً إلى استعباد النساء استعباداً أبدياً، لقد حضت المرأة في ذلك العصر أن تقر في بيتها وان لا تتبرج تبرج الجاهلية الأولى " (٣٤) ثم أخذ يناقش كلا الدليلين:
"إن المعنى الذي يستخلصه أصحاب الرجعية من حض المرأة على أن تقر في البيت معنى غامض كل الغموض الذي يكتنفه فإنهم لا يريدون أن يفسروه حتى تتحدد المعاني القائمة في نفوسهم منه.