للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما إذا أرادوا أن تكون المرأة سجينة البيت فكيف يوفقون بين هذا المعنى وبين حاجات الحياة الضرورية؟ وإذا أرادوا أن يكون تفسيره أن تقر المرأة في البيت إذا لم يكن لها ما يشغلها خارجه، فلذلك هو الواقع في حياتنا الحديثة " (٣٥).

" ... ولكن المصيبة التي أصابنا بها أولئك المستغرقين (كذا) في النظر في الحياة بمنظار القبلية البدائية، أنهم يعتقدون أن كل تجمل تبدو به المرأة هو تبرج وأنه تبرج الجاهلية الأولى، ذلك في حين أن كلمة "التبرج"ليس لها حدود التمرينات الرياضية، وفي حين أنه لم يصلنا عنهم وصف شامل لتبرج الجاهلية الأولى!!! ".

" ... فغالب الظن بل الأرجح تغليباً أن المقصود به (أي التبرج عادة ألفت في الأزمان الأولى كانت في نشأتها شعيرة من شعائر الوثنية، أي شعيرة دينية، فإن البغاء على ما يعرف الآن من تاريخه وتطوره قد نشأ في أوله نشأة دينية، فكان شعيرة من شعائر التقرب من الآلهة ".

ثم يقول:

"فلما جاء الإسلام .. عطف إلى ناحية المرأة فاعتبرها نصف إنسان وأضفى عليها من الكرامة والاحترام ذلك القدر الذي لا يزال حتى الآن موضع انبهار كل المشترعين " غير أن خمسة عشر قرناً من الزمان كافية في الواقع لأن تهيئ العقلية الإنسانية إلى خطوات أخرى في التشريع للمرأة ... ".

"ومن هذه الناحية لا أرى ما يمنع مطلقاً من أن ترفع المرأة إلى منزلة المساواة بالرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية: في الميراث وفي قبول الشهادة وفي العمل وفي الاستقلال الفكري والاقتصادي، وبالجملة في جميع الأشياء التي تكمل بها إنسانيتها، ذلك بأنها إنسان" (٣٦).

ثم تلاه خالد محمد وكتابه (الديمقراطية أبداً) وكان نصيب المرأة من الديمقراطية شيئين:

١ - حق المرأة في وقف تعدد الزوجات، وعلى ذمته ينسب إلى محمد عبده أنه قال "يجب تحريم التعدد الآن عملاً بحيث لا ضرر ولا ضرار" (٣٧).

٢ - تأميم الطلاق-على حد تعبيره - (٣٨).

........ وهكذا ظل الناعقون يصيحون من كل مكان ويسلكون كل اتجاه -فكرياً أم عملياً - حتى آل الأمر إلى الواقع المؤلم الذي عبر عنه أوفى تعبير "جان بول رو "بقوله:

"إن التأثير الغربي الذي يظهر في كل المجالات ويقلب رأساً على عقب المجتمع الإسلامي لا يبدو في جلاء أفضل مما يبدو في تحرير المرأة " (٤٠)

لقد عمت الفوضى الأخلاقية العالم الإسلامي من أقصاه إلى أدناه على تفاوت في ذلك، وتولى الجيل الذي رباه المستعمرون تربية جيل جديد أكثر مسخاً وانحلالاً، وحوربت أحكام الله على يد أبطال الاستقلال أكثر مما حوربت بأيدي المستعمرين، ولنستمع إلى "رو"وهو يقرر ذلك قائلاً:

"في تركية سنة ١٩٢٩م صدر قانون مدني على غرار قانون "نوشاتيل" المدني السويسري فحرم تعدد الزوجات وقضى على الحجاب والحريم ونظرة الطلاق، وفي برهة وجيزة جعل من المرأة التركية شقيقة المرأة السويسرية وصنوها " (٤١).

"وفي الجزائر أوحت الثورة للنساء بالكفاح فخرجت العذارى المحاربات من بيوتهن ونزعن الحجاب لأول مرة منذ أن اعتنقت بلادهن الإسلام، وهنا تكون المعركة النضالية قد فعلت ما عجز السلام عن فعله " أي كما فعلت الثورة الشعبية المصرية ".

وفي تونس "أعلن السيد بورقيبة عدة قرارات هي بمثابة ثورة تعدد الزوجات وجعل السن الدنيا لزواج الفتاة الخامسة عشرة ثم تحرير المواطنين والمواطنات الذين تخطوا العشرينات من عمرهم من موافقة الوالدين إذا ما أرادوا عقد الزواج، وفي نفس الوقت أعلن السيد بورقيبة ... بأن الطلاق لا بد من أن يخضع للمحاكم (٤٣) ... "

هذا وقد نشرت مجلة العربي في استطلاع لها عن تونس صورة للوحات الدعاية المنصورية في الشوارع ففي كل ميدان لوحتان إحداهما تمثل أسرة ترتدي الزي المحتشم مشطوبة بإشارة (×) والأخرى تمثل أسرة متفرنجة ومكتوب تحتها "كوني مثل هؤلاء "!

إلى جانب ذلك يأتي التعليم المختلط والنوادي المختلطة والشواطئ (البلاجات) المختلطة، وتأتي الأزياء الخليعة المستوردة من بيوت اليهود في الغرب، وتأتي موانع الحمل ووسائل الإجهاض.

إلى جانب ذلك يكون الاختلاط الفاضح في دوائر الحكومة والمؤسسات وفي وسائل المواصلات وفي الشقق والمساكن وفي كل مكان في معظم أقطار العالم الإسلامي.

إن التربية غير السليمة لا يمكن أن تنتج إلا جيلاً غير سليم، وها هو ذا الجيل المعاصر المنكود تتجاذبه الشهوات والشبهات وتمزقه التناقضات والغوايات، وتغتاله النزوات المتهورة القاتلة، فلا يستطيع إلا أن يسلم نفسه ذليلاً لشياطين الجن والإنس ينهشون فكره وجسمه ويلهبون ظهره بسياطهم حتى يسقط شلوا ممزقاً على مذبح الفسق والإباحية.

والعجيب حقاً أنه مع هذه النذر كلها لا تزال الدعوات المحمومة على أشدها ولا تزال الموجه في عنفوانها ولا تزال الصيحات تتعالى من كل مطالبة بنبذ التقاليد وفصل الأخلاق عن الدين.

المصدر:العلمانية لسفر الحوالي ص٦٢١ - ٦٤٤

<<  <  ج: ص:  >  >>