فإن نظام الانتخاب الديمقراطي هو أقرب ما يكون إلى الفوضى إذ هو قائم على صياح الجماهير لمن يختارونه بينما الشورى في الإسلام قائمة على اختيار أهل الحل والعقد من المسلمين لأفضل وأكفأ الموجودين في وقت أخذ البيعة كما أن النظام الديمقراطي قائم على الدعاية والوعود الخلابة من قبل المرشح لنفسه وما إلى ذلك دون أن يكون لبعضهم سابقة خير أو شهرة بالعلم والتقوى في كثير منهم بل يتكل على العامة، والعامة – كما يقال – لهم عقل واحد يتتابعون لترشيح الشخص بفعل تأثر بعضهم ببعض وبما يقدمه من الرشاوي.
أما نظام الشورى في الإسلام فهو خال من ذلك كله فلا صياح للجماهير ولا دعايات كاذبة ولا رشاوى لاختيار المرشح وإنما يكتفي فيه بموافقة أهل الرأي والصلاح لاختيار أفضل الموجودين للحكم والبقية يكونون سندا للحاكم ومستشارين أمناء وليس له ولا لهم هدف في تقوية حزب على حزب ولا آراء على آراء ولا انحياز لفئة دون أخرى وإنما همهم كله متوجه لجلب مصلحة الجميع ودفع الضرر عن الجميع في حدود الشرع الشريف، بل وقد ورد في السنة النبوية ما يفيد أن طالب الولاية لا يعطاها وأن من طلبها وكل إليها ومن لم يطلبها وأعطيت له أعين عليها، فكيف يقال بعد ذلك بأنه لا فرق بين الديمقراطية وبين نظام الشورى في الإسلام؟! ألا يوجد فرق بين نظام يعتبر الوصول إلى السلطة مغنما وفوزا وبين نظام يعتبر الوصول إلى السلطة هماً ومسئولية كبرى في الدنيا والآخرة وبين نظام يقوم على الرشوة والوعود الخلابة ونظام لا يجيز ذلك بحال؟
وهنا مسألة أحب أن أنبه إليها لضرورتها وهي هل ما يظهر من التشابه في بعض الأمور بين الديمقراطية وبين بعض المفاهيم في الإسلام يجعلها في درجة واحدة؟
والجواب أن ما يظهر من التشابه بين النظام الديمقراطي وبين ما جاء به الإسلام في بعض الجوانب، الواقع أن هذا لا يجيز القول بأنه تشابه حقيقي في كل ناحية ولا يعطي الديمقراطية سبيلا إلى الاختلاط بمبادئ الإسلام الناصعة بل هو تشابه ظاهري يصح أن نسمي ما جاءت به الديمقراطية قشور بالنسبة لتعاليم الإسلام أو صدى من بعيد له فلا يجوز القول باستواء المكاسب في الديمقراطية وفي الإسلام لبعد حقيقة كل منهما عن الآخر.
ومن العجب أن تمدح التعاليم الديمقراطية لأنها اكتشفت تلك الجوانب ولا يمدح الإسلام ويعترف له بالفضل وهو السابق لها بسنين عددا أليس الفضل للمتقدم؟ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:١٤].
لقد قل الإنصاف للإسلام حتى عند الكثير ممن ينتسب إليه من العاقين له الذين يحاولون أن يقدموا تعاليم الديمقراطية على تعاليمه ملتمسين أنواع الخدع والاحتيال لتنفيذ ذلك في نفاق تام وأساليب مختلفة في ديار الإسلام وبين ظهراني المسلمين وقد أتضح بصورة جلية أن أكثر ما يجتذب الناس إلى الديمقراطية الغربية إما الهرب من أحكام الدين وتكاليفه الشرعية إلى الفوضى الجماهيرية التي يجدون فيها الحرية الفوضوية بكامل صورها وإما بسبب ما تنادي به الديمقراطية من الرجوع إلى الشعب في الأحكام وهؤلاء يحبون هذا الجانب بحجة الحد من سلطان الحاكم وجبروته وهم جادون في ذلك.