أما القسم الأول فهم الغافلون الفوضويون من الجهال، وأما القسم الثاني فلعلهم لا يعلمون أن الإسلام لا يجعل الحاكم هو السلطان المطلق دون الرجوع إلى أحد. لا يعلمون أن الله قد أخبر أنه يجب أن يكون أمر المؤمنين شورى بينهم وكما أسند الله تعالى الحكم في بعض القضايا إلى أهل الرأي والمعرفة كالإصلاح بين الزوجين وما يحكم به الحكمان وكتقدير صيد المحرم وغير ذلك مما سبق فيه الإسلام الديمقراطية الغربية على أنه إذا وجد حاكم مسلم يتصف بالجور والطغيان وعدم الخوف من الله تعالى وعدم استطاعة أحد من الناس مراجعته أو الحد من طغيانه فهذا لا يعني أنه لا حل أمامنا إلا التزام الديمقراطية الغربية، بل الحل هو القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمطالبة بتطبيق الحق جماعة وأفرادا والوقوف الجماعي ضد أي تسلط بالباطل ببيان الحق وبذل النصح بصدق وإخلاص وسؤال الله له الهداية إلى غير ذلك من الوسائل المتاحة حتى يصل التغيير إلى أحسن أما إذا لم يكن هناك تغيير وإصلاح فإن المناداة بالديمقراطية لا يعطي الحل لهذه المشكلة أو غيرها حتى ولو زعم القائمون على السلطة بالتزامها فإن ذلك لا يجدي شيئا مع الإصرار على عدم التطبيق سواء تطبيق الإسلام وهو الحل الحقيقي أو تطبيق الديمقراطية وهو الحل الظاهري وكلا الحلين لا يأتيان تلقائيا للناس ما لم يكن هناك قائمون عليه وجادون في تطبيقه كما قال تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:١١].
والله تعالى عادل يحب العدل ولا يرضى بالظلم ولا يحب الصبر عليه: إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:٤٤]، فأي لوم يمكن أن يوجهه الخاملون الكسالى إلى الإسلام مع تفريطهم وعدم يقظتهم للتمسك بدينهم الذي يعيشون في ظله آمنين مطمئنين أخوة متحابين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ثم يفضلون عليه الأنظمة الوضعية البشرية التي تفسد أكثر مما تصلح أو يزعمون أنهما في درجة واحدة مع الإسلام فإنه يجب على هؤلاء أن يوجهوا اللوم إلى أنفسهم لا إلى الإسلام.