للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسؤال على هذا النحو يدل على تلك الأمية الشرعية المتفشية في الأمة، وخاصة فيما يتعلق بالفقه الشرعي السياسي.

والجواب يتلخص فيما يلي:

قد ذكرنا من قبل أن أصول الديمقراطية وجذورها إنما هي أصول وجذور إلحادية كفرية، فما معنى أن ندع ما فيها من الشر؟ معناه أن تترك هذه الأصول وبالتالي ما نتج عنها أو تفرع منها، وإذا كنا سوف نترك أصول الديمقراطية فهل يمكن أن نقول عن نظام ليس فيه أسس الديمقراطية أنه نظام ديمقراطي؟! وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا إذن الإصرار على التمسك بلفظ لا حقيقة له؟!

وقد ذكرنا أيضا من قبل أنه في ظل النظام الديمقراطي لا يمكن الفصل بين ما يظن أنه حسن وبين ما هو خبيث، لأن الجميع يصدر عن أساس واحد.

ثم نقول: وهل في الديمقراطية - أو في غيرها من النظم – شيء من الخير ينقصنا حتى يقال: نأخذ ما فيها من خير وندع ما فيها من شر؟!

هل الأمة التي قال فيها الله عز وجل كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:١١٠].

تحتاج في شيء من نظامها السياسي الذي هو جزء من دينها إلى ما عند أمم الكفر والضلال؟

إن من عقيدة الإسلام التي يعتقدها كل مسلم: أن ديننا لم يترك بابا من أبواب الخير إلا ودلنا عليه، ولم يترك بابا من أبواب الشر إلا وحذرنا منه. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه وينذرهم شر ما يعلمه لهم)) (١) فهل يسوغ في عقيدة المسلم – بعد ذلك – أن يقال: إن في النظام الديمقراطي عناصر طيبة أو نوعا من الخير تنقص النظام الإسلامي، ومن ثم فنحن في حاجة إلى استعارتها منه وتطعيم النظام الإسلامي بها؟!

لقد بلغ من عناية الدين بالمسلمين أن علمهم كل شيء حتى أدب قضاء الحاجة، فهل يمكن أن تكون الهداية في مجال النظام السياسي غير كاملة حتى نحتاج إلى غيرنا؟

إن من المقاصد الأساسية في شريعة الإسلام إقامة دولة على أساس الإيمان، وتنظيمها تنظيما دقيقا محكما وصحيحا، يكفل الخير كله والحق كله والعدل كله لكل من أظلتهم راية الدولة الإسلامية، فهل يمكن أن يقال: إن هناك عناصر من الخير لازمة لدولة الإيمان لم تأت في شريعة الإسلام، ونحن في حاجة إلى استيرادها من أمم الكفر والضلال؟!

إن ما يمكن أن يقال فيه: نأخذ ما فيه من خير، وندع ما فيه من شر، هو ما كان من قبيل المخترعات التي بنيت على الاكتشافات والتجارب المعملية، أو ما كان من قبيل الأمور المباحة التي تركها الله لنا لنجتهد فيها وفق ظروف العصر ومصالح الأمة، أما ما جاءنا فيه من الله ورسوله أمر أو نهي أو هداية أو إرشاد فلا خير إلا فيه، وليس في غيره خير نحتاج إليه.

الوقفة الخامسة: الديمقراطية قاطع طريق على النظام الإسلامي:

قد يبدو من الأمور الغريبة لدى كثير من الناس، والتي قد لا يدركون لها تفسيرا مقنعا، ما تظهره كثير من الدول الغربية الكافرة من نقمة أو مهاجمة لبعض الأنظمة الحاكمة في الدول العربية والإسلامية، بدعوى ما تمارسه هذه النظم من الظلم الاجتماعي والاستبداد السياسي، وكبت الحريات، وقتل واعتقال الآلاف من الناس، وترتفع فيها أصوات مطالبة بقطع المعونات، أو تقليل المساعدات، حتى تقوم في تلك البلاد أنظمة ديمقراطية تتعامل مع رعاياها بطريقة إنسانية تحفظ عليهم حريتهم وأمنهم واستقرارهم.

يسمع هذا الكلام سامع، أو يقرؤه قارئ، فيحتار: هل وصلت الرحمة والشفقة بدول الكفر على المسلمين إلى هذا الحد، لدرجة أنهم يناصرون الشعوب المسلمة على حكامها الجائرين؟! شيء عجيب حقا!


(١) نقل الإجماع على ذلك كثيرون منهم البغوي في ((شرح السنة)) (١/ ١٠٣)، وابن سحمان في ((الضياء الشارق)) (ص ٣٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>