ولكن العجب يزول إذا علمنا أن ذلك ليس من أجل الرحمة والشفقة، وإنما من أجل قطع الطريق على النظام الإسلامي حتى لا يعود إلى بلاد المسلمين.
الوقفة السادسة: طبقات المتكلمين بلفظ الديمقراطية أو الدعاة إليها في بلاد المسلمين:
لقد تكلم بلفظ الديمقراطية ودعا إليه كثير من الناس على اختلاف مشاربهم وأفكارهم.
فمنهم بعض العلماء وبعض المنتسبين إلى العلم ومن غريب الأمر لدينا نحن الآن أن نجد في كتابات هؤلاء كلمات مثل: ديمقراطية الإسلام، السيادة للأمة، الأمة مصدر السلطات، واشتراكية الإسلام، وأشباه ذلك من المصطلحات الدخيلة ذات الجذور الإلحادية التي وفدت إلى بلادنا مع الكفار المتغلبين على ديار الإسلام.
وقد يزول هذا الاستغراب – ولو جزئيا – إذ أدركنا أن كل ما قاله هؤلاء في هذا الصدد لا وزن له من الناحية الشرعية، ولا قيمة له من الناحية العلمية، ذلك أن كثيرا منهم وقد دهمتهم الحضارة الوافدة بكثير من نظمها واصطلاحاتها لم يأخذوا الوقت الكافي للتفكير المتأني المتزن لمعرفة حقيقة هذه الألفاظ، بل وجدوا أنفسهم مدفوعين للكلام في هذه الأمور، التي لم يتمكنوا – لحداثة عهدهم بها – أن يدركوا ما فيها من الكفر والضلال، فاقتربوا منها وقالوا بها، وتأولوا في سبيل ذلك النصوص والأحداث التاريخية لتوافق هذه المصطلحات ونحن لا نتهم أحدا بسوء نية، ولكن أردنا التنبيه على ذلك حتى لا يفتر أحد بما قد يجده في هذه الكتابات من استخدام لهذه المصطلحات ومحاولة إلباسها ثوبا إسلاميا.
ومن هؤلاء العلماء والمنتسبين للعلم من قد تبين له ما في هذه الدعوات والمصطلحات، من الزيغ والضلال، لكنهم في نفس الوقت رأوا الكثيرين من المسلمين المثقفين ثقافة غير شرعية، وقد أخذ بلبهم البريق الزائف لهذه المصطلحات حيث كان المجتمع المسلم – بعد سيطرة الكافرين عليه – يمر بمرحلة من الانهزام على كافة المستويات، وكان هم هؤلاء العلماء أن يحفظوا على العامة دينهم واعتقادهم، فأرادوا التوفيق بين ما جاء به الدين ودل عليه وبين ما جاء به هؤلاء فقالوا: إن السيادة للأمة وإن الأمة هي مصدر السلطات، ولكن قيدوها بقيود أفرغتها من مضمونها، فهم لم يقولوا بسيادة مطلقة أو سلطة مطلقة – كما هو المعروف في هذا المصطلح – وإنما قالوا بسيادة وسلطة مقيدة بقيد الشرع، وفي إطاره، ومع ذلك فإن هذا الكلام أيضا غير صحيح لأنه كلام متناقض ينقض آخره أوله، لأن السيادة – كما سبق تعريفها – هي السلطة العليا المطلقة التي لا تعلوها أو تدانيها سلطة أخرى، فكيف يقال: إنها سلطة وسيادة مقيدة، وإذا أمكن تقييد هذه السيادة أو السلطة كان المقيد هو صاحب السيادة وليس المقيد، وهذا يبين بطلان قول كل من يقول: إن الأمة أو الشعب - في النظام الإسلامي – هي صاحبة السيادة أو مصدر السلطات بشرط تقييدها بالشريعة؛ لأن هذا كلام ينقض بعضه بعضها، والسيادة في النظام الإسلامي هي للشرع، والأمة أو الشعب في مقام العبودية لله الواحد القهار لا في مقام السيادة.
ومن المتكلمين بالديمقراطية أو الداعين إليها، قوم جمعوا بين حسن النية وسطحية التفكير، وقد ظنوا – وهم مخطئون قطعا – أن النظام الديمقراطي يحقق الخير والعدل، فأرادوا أن يبينوا للناس – بدافع حسن النية أو الغيرة على الدين – أن الإسلام قد سبق الديمقراطية بأربعة عشر قرنا من الزمان، وأن الديمقراطية قد جاء بها الإسلام وطبقها الخلفاء الراشدون!