فالواجب على العرب وغيره: التوبة إلى الله سبحانه، والتمسك بدينه، والتواصي بحقه، وتحكيم شريعته، والجهاد في سبيله، والاستقامة على ذلك من الرؤساء وغيرهم، فبذلك يحصل لهم النصر ويهزم العدو، ويحصل التمكين في الأرض، وإن قل عددنا وعدتنا، ولا ريب أن من أهم الواجبات الإيمانية: أخذ الحذر من عدونا، وأن نعد له ما نستطيع من القوة، وذلك من تمام الإيمان، ومن الأخذ بالأسباب التي يتعين الأخذ بها، ولا يجوز إهمالها، كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ وقوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [النساء: ٧١] وليس للمسلمين أن يوالوا الكافرين أو يستعينوا بهم على أعدائهم، فإنهم من الأعداء ولا تؤمن غائلتهم وقد حرم الله موالاتهم، ونهى عن اتخاذهم بطانة، وحكم على من تولاهم بأنه منهم، وأخبر أن الجميع من الظالمين، كما سبق ذلك في الآيات المحكمات، وثبت في:(صحيح مسلم)، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه فلما أدركه قال لرسول الله جئت لأتبعك وأصيب معك وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أتؤمن بالله ورسوله؟ قال لا قال "فارجع فلن استعين بمشرك قالت ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة فقال لا قال "فارجع فلن استعين بمشرك" قالت ثم رجع فأدركه في البيراء فقال له كما قال أول مرة "تؤمن بالله ورسوله؟ " قال نعم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "فانطلق")) (١) فهذا الحديث الجليل، يرشدك إلى ترك الاستعانة بالمشركين، ويدل على أنه لا ينبغي للمسلمين أن يدخلوا في جيشهم غيرهم، لا من العرب ولا من غير العرب؛ لأن الكافر عدو لا يؤمن. وليعلم أعداء الله أن المسلمين ليسوا في حاجة إليهم، إذا اعتصموا بالله، وصدقوا في معاملته. لأن النصر بيده لا بيد غيره، وقد وعد به المؤمنين، وإن قل عددهم وعدتهم كما سبق في الآيات وكما جرى لأهل الإسلام في صدر الإسلام،
(١) انظر توضيح هذه القضية في: ((ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي)) (١/ ٣٧) وما بعدها.