ويدل على تلك أيضا قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ [آل عمران: ١١٨] فانظر أيها المؤمن إلى كتاب ربك وسنة نبيك عليه الصلاة والسلام كيف يحاربان موالاة الكفار، والاستعانة بهم واتخاذهم بطانة، والله سبحانه أعلم بمصالح عباده، وأرحم بهم من أنفسهم، فلو كان في اتخاذهم الكفار أولياء من العرب أو غيرهم والاستعانة بهم مصلحة راجحة، لأذن الله فيه وأباحه لعباده، ولكن لما علم الله ما في ذلك من المفسدة الكبرى، والعواقب الوخيمة، نهى عنه وذم من يفعله، وأخبر في آيات أخرى أن طاعة الكفار، وخروجهم في جيش المسلمين يضرهم، ولا يزيدهم ذلك إلا خبالا، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ [آل عمران: ١٤٩:] وقال تعالى: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالًا وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة:٤٧]
فكفى بهذه الآيات تحذيرا من طاعة الكفار، والاستعانة بهم، وتنفيرا منهم، وإيضاحا لما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة، عافى الله المسلمين من ذلك، وقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:٧١] وقال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:٧٣] أوضح سبحانه أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، والكفار بعضهم أولياء بعض، فإذا لم يفعل المسلمون ذلك، واختلط الكفار بالمسلمين، وصار بعضهم أولياء بعض، حصلت الفتنة والفساد الكبير، وذلك بما يحصل في القلوب من الشكوك، والركون إلى أهل الباطل والميل إليهم، واشتباه الحق على المسلمين نتيجة امتزاجهم بأعدائهم وموالاة بعضهم لبعض، كما هو الواقع اليوم من أكثر المدعين للإسلام حيث والوا الكافرين، واتخذوهم بطانة، فالتبست عليهم الأمور بسبب ذلك، حتى صاروا لا يميزون بين الحق والباطل ولا بين الهدى والضلال، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، فحصل بذلك من الفساد والأضرار ما لا يحصيه إلا الله سبحانه ..... ,
وللقوميين هنا شبهة، وهي أنهم يقولون: إن التكتل حول القومية العربية بدون تفرقة بين المسلم والكافر يجعل العرب وحدة قوية، وبناء شامخا، يهابهم عدوهم ويحترم حقوقهم، وإذا انفصل المسلمون عن غيرهم من العرب، ضعفوا وطمع فيهم العدو، وشبهة أخرى وهي أنهم يقولون: إن العرب إذا اعتصموا بالإسلام، وتجمعوا حول رايته، حقد عليهم أعداء الإسلام، ولم يعطوهم حقوقهم، وتربصوا بهم الدوائر، خوفا من أن يثيروها حروبا إسلامية، ليستعيدوا بها مجدهم السالف، وهذا يضرنا ويؤخر حقوقنا ومصالحنا المتعلقة بأعدائنا، ويثير غضبهم علينا.