للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والملاحظ أن أولئك الذين كانوا يطلبون العمل بأيديهم لم يكن دورهم كافيا لملأ ما تحتاج إليه الحركة الصناعية القوية كما هو الحال بالنسبة للآلات الحديثة، وهذا أحدث بدوره رد فعل لدى العمال لتحطيم الإقطاع المستند إلى الآلات الحديثة بسبب التناقض مع القوى المنتجة النامية من جهة وحاجة العمل من جهة أخرى إلى العمل والكسب وهذا بدوره قد هيأ الجو لتصاعد قوة الرأسمالية التي تسعى دائما لزيادة الإنتاج والمكاسب الوفيرة وما نشأ بين أفرادها من تعاون مثمر في شتى المجالات وقد جعلوا استغلال طبقة من الناس لطبقة أخرى هو أساس الحضارة لكي يحصل التناقض الذي يوصل طبقة إلى الاستعلاء على طبقة أخرى فما من شر لطبقة أخرى إلا وهو خير لطبقة أخرى وهكذا صراع دائم من أجل البقاء، كما أن تجمع الشعوب واتحادها إنما يعود حسب تفسيرهم إلى المصالح الاقتصادية التي قامت عليها الرأسمالية غير أن الرأسمالية أصبحت مناقضة لمصالح طبقة البروليتاريا – أي طبقة العمال – فكان لزاما على هؤلاء العمال أن يصارعوا طبقة الرأسمالية وأن يطيحوا بها بالطرق الثورية وأن يستبدلوها بالنظام الشيوعي الذي يستوعب تلك التناقضات ويصفيها في مجتمع ليس فيه طبقات يستغل بعضهم بعضا، وإنما فيه طبقة واحدة يكون الإنتاج فيها ملكا مشتركا بين الدولة – خدعة شيوعية بارعة – ولكن هذا الصراع لا ينقل الناس مباشرة من الرأسمالية إلى الاشتراكية بل يمر بمراحل تدريجية قبل انتقالهم من الرأسمالية إلى الاشتراكية ثم إلى الشيوعية التي تحقق لهم مبدأ "من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته" والتي تتم بجهود ضخمة من العمل المتواصل لزيادة الإنتاج لتتحقق تلك القاعدة "من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته".

وهكذا يتضح بجلاء أن التعليلات الشيوعية كلها قائمة على مجرد خيالات وتصورات ليس لها ما يسندها، بل هي ضد العقل والمصالح كلها دينية، ودنيوية، وأن ما تصوروه عن بداية المجتمع المشاعي وظهور الرق والإقطاع والرأسمالية ثم الاشتراكية الممهدة للشيوعية كل هذه الحلقات افتراضات وتخمينا وأول ما يدل على كذبهم فيها أنهم لا يستطيعون أن يحددوا بداية كل مرحلة وظهور التي تليها تحديدا دقيقا مع أنه حتى ولو حددوها لا يقبل منهم لعدم وجود أدلة على ذلك يقبلها العقل.

وقد سلسلوا تلك الأحداث ليصلوا إلى النتيجة التي يهدفون إليها وهي إظهار الشيوعية بمثابة الثمار الشهية اليانعة التي نضجت بعد الجد والاجتهاد وتطور الأحوال من حال إلى حال ولإظهارها كذلك بمظهر المنقذ لتعاسة الإنسانية على مدى تاريخ الحياة البشرية على وجه الأرض، وكم علت تلك الأصوات، وكم أخذت في طريقها من ضحايا قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة في أيام "جورباتشوف" الذي تولى رئاسة الإتحاد السوفيتي بعد "يوري أندروبوف"، و"بريجنيف" وللباطل صولة ثم يضمحل وقد مزق الله الإتحاد السوفيتي كل ممزق ويتلوه إن شاء الله الرأسمالية الأمريكية وغيرها من مذاهب الكفر والضلال.

فلا يوجد عند العقلاء أدنى شك في أن تفسير الملاحدة لتاريخ البشر هو ضلالة كبرى من ضلالات الشيوعية وهضم واضح لتاريخ البشرية وطمس للوجه المشرق من تاريخهم في مختلف الأزمنة حينما لا يعترف هذا التفسير بأية قيمة خلقية، أو دينية، أو ثقافية، أو اجتماعية قبل ظهور عبادة المادة الصماء فهو قائم على النظرة الاقتصادية البحتة فلا قيمة لأي شيء إلا من خلال هذه النظرة الضيقة الباطلة التي لا يعرفون سواها.

<<  <  ج: ص:  >  >>