إن تاريخ البشر مملوء بالأحداث المختلفة على مر الليالي والأيام بعضها تكون أحداث كبيرة، وبعضها صغيرة، وبعضها يكون للمادة تدخل ما فيه، وبعضها لا تمت إليه المادة بأدنى سبب. ولقد سجل التاريخ أعظم حدث في هذا الوجود في فترة زمنية قصيرة ولا تزال آثارها واضحة قوية وستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فما هو هذا الحدث؟ إنه الإسلام بتعاليمه السامية ونظمه العادلة، فكيف نشأ وما هي الأسباب التي أدت إلى تغييره للمفاهيم التي قبله رأسا على عقب وأي حالة اقتصادية اقتضت ظهوره على تلك الحال؟
والجواب عند المؤمنين بالله تعالى لا يحتاج إلى إعمال الفكر ولا إلى الاجتهاد فإن الجواب يأتي تلقائيا أن الله هو الذي أنشأه وأظهره في الوقت الذي اقتضته حكمته دون أي صراع مادي، ولهذا فإن التفسير الإسلامي لتاريخ الإنسان ونشأته في هذا الكون من البدهي أن يختلف اختلافا جذريا عن التفسير المادي له عند الملاحدة ذلك أن الإسلام يقرر أن للإنسان مفهومه الخاص به وأنه متميز عن بقية المخلوقات التي تساكنه في هذه الدنيا فهو مفكر وله عقل وتمييز يدبر الأمور ويصرفها وفق مصالحه وإرادته وهو الذي يسير المادة وليس المادة هي التي تسيره وتتصرف فيه – كما في المفهوم الشيوعي – ففي الإسلام ينبع تاريخ الإنسان من حياته وتفكيره وعمله وتوجهاته وما يتلقاه من التعاليم الإلهية على أيدي رسل الله عليهم الصلاة والسلام وليس من المادة.
يبدأ تاريخ الإنسان في الإسلام من خلق الله له من طين الأرض، ثم نفخ الروح فيه، ثم إهباطه إلى الأرض واستخلافه فيها وقيامه أو عدم قيامه بأوامر الله ونواهيه وسلوكه الخير والشر، وما يسطره الإنسان في صفحات كتابه الذي سيقرؤه يوم القيامة، وما يتبع ذلك من الحساب والثواب والعقاب. ولا شك أن هذه المفاهيم بعيدة كل البعد عن تاريخه المادي في مفهوم الشيوعية التي تهبط بالإنسان إلى الحضيض ولا تعترف له بتلك المنزلة العالية التي يشابه فيها الملائكة في علو روحه إن أطاع الله تعالى واتقاه، هذا الجانب أغفلته الشيوعية ولم تنظر إليه إلا على أنه حيوان بهيمي لا هم له إلا بطنه وفرجه، ولا ذكر لروحه ومزاياه العديدة، وليس فيها أن الله كون الإنسان من جسد وروح وأن كلا منهما يطالب بحقه وغذائه المادي والروحي مطالبة حثيثة، وليس فيها أنه لا يجوز أن يغلب جانب منهما على آخر إلى حد الإهمال كما قررته الشيوعية فهذا التوازن لا يوجد إلا في الإسلام لكي يتم التوازن الحقيقي بينهما، فإن الإسلام لا يقدس الجسد وشهواته الحسية فقط ولا يقدس الروح إلى حد الغلو فيها وإنما الإسلام يوازن بينهما ويجعلهما شريكين متماسكين لا متصارعين كما هو حال الأنظمة الجاهلية المادية.
ويمكننا القول بأنه إذا كان ظهور الشيوعية كنتيجة مادية قامت بالعنف والجبروت فقد رأينا نهايتها المخزية، بينما الإسلام وقد قام على العقيدة الصحيحة والعدل التام انتصر وتأثر به الناس وأحبوه وأحدث في أنفسهم قوة جبارة كانت كامنة ففجرها الإسلام وأثار الأرض كلها ولم يقم على العنف ولا الصراع المادي والطبقي لاستناده إلى عناية الله تعالى به لأنه حق والحق دائما هو الباقي وأما الزبد فيذهب جفاء، فلو أن الإسلام كان ظهوره بسبب عوامل مادية لانتهى بانتهاء تلك الحال أو لوجب أن تنشأ قوة مثله كلما تكررت تلك الحال التي افترضها الملاحدة لظهور الأنبياء والمرسلين والشرائع التي أتوا بها وهم لا يقولون بذلك ولا يقرونه فظهر تناقضهم واضحا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ [النور:٤٠].