هكذا علل الملاحدة لنشأة التدين عند الإنسان، وحينما جاءت الشيوعية في روسيا أعلنت الحرب الضروس على الدين وأهله باعتبار أنه أفيون الشعوب وأن الدين إنما كان في روسيا وغيرها بسبب الضعف الاقتصادي وعدم وجود حول ولا قوة للطبقة الفقيرة إلا بالاستناد إلى الدين كعزاء بديل لذلك الشقاء والفقر. ولكن بعد مجيء الشيوعية التي هيأت موارد للإنتاج لم يعد الفلاح في حاجة إلى الالتجاء إلى القوة الإلهية ليتسلى بها عن شقائه وعليه حينئذ أن يتخلى عن الاعتقاد بوجود الإله وعن الدين كذلك ليسعد في ظل النظام الشيوعي؟!
أما المجتمع الزراعي فكان تمسكهم بالدين أمر واضح لوجود المقتضيات الكثيرة لازدهاره في أوساطهم كما تذكر الشيوعية الماركسية في تعليلاتها الخرافية كقولهم: إن الإنسانية في هذا المجتمع يضع البذور في الأرض ويغذيها ويحوطها بعنايته ولا يملك أكثر من هذا فهو لا يستطيع أن ينبتها كما يريد ولا أن يجعلها تثمر أو لا تثمر وهنا اضطر إلى التعلق بوجود قوة خارجية غيبية – الإله – وإلى استرضائه والتعلق به لإنجاح زراعته وتحبب إليه بأنواع الطقوس - العبادات – وهذا بخلاف المجتمع الصناعي فإنه لم يعد الإنسان في حاجة إلى التعلق بتلك القوة الغيبية لأن أمر الصناعة ظاهر يسيطر عليه الشخص ويصرفه كما يريد فهو صنع يده وطوع أمره بخلاف الجانب الزراعي وهذا هو تعليلهم ومبلغ علمهم لقوة التدين في العهد الزراعي وضعفه في العهد الصناعي – كما يزعمون – وهو تعليل يدل على سخافتهم وضحالة أفهامهم، كما أن هذا التفريق بين المجتمع الزراعي والمجتمع الصناعي إن هو إلا محض افتراء سخيف وهضم للإنسان، بل وإنكار لحق الله على عباده، ولا يملكون على ذلك أي دليل صحيح، ثم أليس الإنسان يواجه مشكلات وتعقيدات وأخطارا في المجتمع الصناعي كما هو في المجتمع الزراعي، وأن قدرة الإنسان هي نفس القدرة في المجتمعين، فكيف احتاج إلى الله والتدين في المجتمع الزراعي واستغني عنه في المجتمع الصناعي، وماذا فعلت الشيوعية في المجتمع الزراعي والصناعي أليس أتباعها الآن يتكففون الغرب الزراعي الصناعي وهم مقرون بالخالق عز وجل مما يدل على خسارة الشيوعية دينهم ودنياهم.