وكأن أولئك القساة القلوب لم يسمعوا بشكاوى من غرتهم المدنية وجمع المال ولا أنين تلك المرأة التي منعت نفسها من الزواج وجمعت من المال والشهادات ما أحبت فلما أحست بتجاوزها مرحلة الإنجاب بدأت تبكي وتقول للناس خذوا هذه الشهادة وخذوا أموالي وأعطوني طفلا يقول لي يا أمي أشعر بالأنس إلى جانبه، أزيلوا عني آلامي وما أحس به من وحشة هذا المجتمع الذي لا يرحم ولا يحترم إلا الأقوياء فقط ولكن أنى لأصحاب الأهواء آذان صاغية تسمع أو قلوب تعقل.
محاربة الدين
يزعم الماديون أن الدين إنما هو انعكاس وهمي في أذهان البشر نحو قوة خارجية تسير الكون لا أنه حقيقة منزلة من الله كما هو إيمان جميع المؤمنين بالله تعالى، ثم زعموا أن هذا التوهم نشأ في أزمنة موغلة في القدم عند البدائيين حيث كانت البداية هي توهم أن الإنسان له روح تسكن في جسده وتفارقه لحظة الموت ومن هنا اضطروا إلى اصطناع أفكار تتوافق في العلاقة مع هذه الأرواح التي تطور أمرها بعد ذلك إلى توليد الآلهة الأولى وفي غير الأرض ثم نشأ بفعل التولد في عقول الناس أن يتطور أمر هذه الآلهة إلى إله واحد كما في الديانات التي تعبد إلها واحدا وعلى هذا فإن الدين إنما تولد عن نظريات الإنسان المحدودة التي نجمت عن عجزه المطلق أمام الطبيعة العاتية التي كان يخافها ولا يفهمها فتصور أن ذلك إنما نتج عن إرادة سامية عليا فسرت بعد ذلك بإسنادها إلى الآلهة وقوتها وجبروتها المطلق والتي أصبحت هذه الآلهة في شكل إله واحد قوي جبار عند الكثير، ثم زعموا أن هذه المعتقدات في الإله إنما تعود عند الإنسان في الأساس إلى ما قبل التاريخ. وحينما جاء العهد التاريخي وجدها هكذا فالتقطها بغباء دون فهم وقد أرجعوا السبب في ذلك إلى الحالة الاقتصادية التي كان يعيشها الإنسان في عهد ما قبل التاريخ وهو اقتصاد ضعيف وفي صورة بدائية تعتمد على الاشتراك في الصيد والماء والمراعي وتعاون الجميع. هذا في عهد ما قبل التاريخ وأما حينما نشأ التطور الاقتصادي على نحو أقوى بداية بعهد الرق والإقطاع والكنيسة فقد استغل هؤلاء الوجهاء هذا الجانب الإلهي لتخديرالكادحين حتى لا يشعروا بالظلم الواقع عليهم وأن عليهم الرضوخ إذا أرادوا نعيم الجنة في مقابل عذاب الدنيا بطاعة أولئك ولهذا باركت الكنيسة الرق وأوصت الكنيسة الأرقاء بطاعة أسيادهم وهددتهم بالنار الأبدية إن لم يمتثلوا، وكان لهذه التعليمات أثر جيد في إنقاذ الحياة الزراعية الضرورية لحياة المجتمع وفي حفظ المجتمع من الفقر ومن اندلاع نار الثورات وفي الوقت الذي اشتد فيه كابوس الإقطاع في أوروبا قويت في المقابل السلطة الدينية للكنيسة، وليس فقط السلطة الدينية، بل والفلسفة والأدب والفنون على نفس النهج الذي يريده الإقطاعيون، ولم تكن الكنيسة وحدها في هذه القوة بل ساندتها قوة السلطة التي كانت هي الأخرى سيدة الإقطاع وحاميته والمستفيد الحقيقي من تخدير الشعوب بالدين، ولهذا وقف الحكام ورجال الكنيسة ضد كل من تسول له نفسه الخروج عن قبضتهم بوصفه بالاسم الذي يبيحون به دمه وهو إطلاق "الهرطقة" عليه.
وما اشتعال الحروب التي خاضها البشر باسم الدين إلا صراعا طبقيا في حقيقته نجم عن الحالات الاقتصادية فحسب، وحينما ظهرت الرأسمالية ضعف أمر الدين لتطور الاقتصاد وانتعاشه ولكن البرجوازية أحست بأن نبذها للدين خطر عليها فعادت إلى احتضانه وتسخيره لمصالحها وهذا هو السبب في تعلق البرجوازية بالدين لكي تظل على قوتها الرأسمالية.