للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويرى محرر دائرة معارف العلوم الاجتماعية أنه يمكن تشبيه الدين بالفن من حيث أن الفنان يتمتع بذوق غير عادي في الأمور الفنية فكذلك رجل الدين يتمتع بنظرة قوية وأذن صاغية فيصل بتجاربه إلى معرفة الدين. مع أنهم قد أقروا بأن الدين لا تدخل معرفته تحت التجارب – كما تقدم – وهم يهدفون من وراء هذا السخف إلى إنكار النبوات الإلهية ويقرر "ت. ر. مايلز": أن الدين إذا قصد به ما بعد الطبيعة، أي القول بأنه وحي من الله تعالى فإنه حينئذ يفقد معناه الحقيقي أما إذا أريد بالدين معنى مجازيا بمعنى قوة الذكاء والإلهام فإنه حينئذ يكون معناه مقبولا لدى الأشخاص الذين يتصفون بقابليتهم للتدين. ويرى "اليكسيس كاريل" أن التدين إنما يصل إليه الإنسان بجهوده الشخصية وتطلعه إلى ذلك مثله مثل الشخص الذي يريد أن يصبح مصارعا فيستعد لتقوية بدنه بالرياضة وترويض أعضائه فكذلك المتدين يصل بصقل روحه وتهذيبها إلى التدين الذي يقتنع به (١).

وهذا التفسير للدين خرافة وسذاجة وذلك لأنه يعتبر مصدر الدين قوة تخيل البشر وسمو ذكائهم لا أنه من الله تعالى أو عن وحيه إذ لا وجود لذلك في قاموس إلحادهم فكيف يكون الدين من خيال البشر وله هذه المكانة في النفوس منذ أن وجدت البشرية إلى أن تنتهي؟ ألم تظهر روايات وقصص وكتابات خيالية لا حدود لها؟ ثم تنتهي في مدة وجيزة ولم يعد أحد يتأثر بها مع أنها أحيانا نابعة من أعماق كبار الشعراء الذين يسميهم الملحدون أنبياء ومن أعماق كبار أصحاب الفكر والأدب ثم كيف تجمع البشرية على احترام التدين إلى هذا الحد لو كان ما يقوله الملحدون صحيحا من أن التدين خيالات وفن؟ ولماذا نجح الأنبياء على طول الأزمنة وبقي ما خلفوه حيا في قلوب الناس بينما تموت أفكار البشر وتنسى، بل وتمل على مر الزمان رغم تفنن أصحابها في الفصاحة كذلك يقال لهم لو كان التدين يرجع إلى الذكاء لكان لكل شخص دين يخصه يتوافق مع ذكائه وذوقه لاختلاف الناس في الذكاء وفي الرغبات ولما أمكن التفريق بين من يعمل الخير ومن يعمل الشر لأن الخير والشر يصبحان لا ضابط لهما لاختلاف العقول والأديان من فرد إلى فرد. وهل الواقع يدل على هذا؟ أم أنه يدل على أن الناس يشتركون في دين حتى ينسخه الله بغيره كما هو الحال في الأديان المنزلة على امتداد تاريخ البشر؟

كما أن هذا التفسير الإلحادي للدين يجعل كلمة النبوة أو ختم النبوة أمر لا معنى له لأن النبوة إنما هي مجموعة صور خيالية جميلة لا أن هناك إلها هو الذي يختار لها الشخص الذي يريده وهو مفهوم شاذ بالنسبة لما أطبق عليه عامة الناس وهل يصح أن يلتفت إلى كلام ملحد في آخر الأزمان ويغفل إطباق تلك الملايين التي لا يعلم عددها إلا الله وحده فاتضح أن كل تفسيرات الملاحدة للدين أو استعمالهم لكلمة دين إنما يراد بذلك إما المغالطة أو النفاق، وأما أن نسميها سذاجة لبعدهم عن معرفة الدين وجهلهم بكل حقائقه فهم لا يفرقون بين الاتجاه الخاص بالدين وبين الاتجاهات الجاهلية التي أفرزتها عقول جاهلة ادعت معرفة كل شيء ومن أعجب الأمور أن يسموا الدين الذي أطبقت البشرية على تقبله خيالات ويسمون إلحادهم وخيالاتهم التي يردها العقل والواقع يسمونها علمية وأين الثرى من الثريا؟


(١) انظر ((الدنيا لعبة إسرائيل)) (ص٢٦)، و ((المذاهب المعاصرة)) (ص٥٣ - ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>