إن تفسير الملاحدة للتدين عن الإنسان كله كذب وافتراض وهمي خيالي فقد تصوروا في خيالهم أن نشأة الإنسانية وظهور التدين عنده ونشأة القيم والأخلاق إنما قامت على المادة وحدها ومن المعلوم بداهة أنه مرت قرون عديدة والبشرية كلهم على التدين وعلى التعلق بإله قادر مهما اختلفت عباداتهم وعقائدهم وعبارتهم فهل يلغي كل ذلك الاتفاق في تلك القرون السحيقة التي لا يعلمها إلا الله ويؤخذ فيها برأي الملاحدة الشاذين، هذا ليس بمنطق صحيح أبدا وهل ما تصوروه من تطور الإنسان بسبب المادة يعضده دليل عقلي – إذ لا يوجد لهم دليل شرعي – إنه مجرد تحكم أن يقسموا البشر إلى مجتمعات بدائية ومجتمعات زراعية ومجتمعات صناعية وأن التدين في كل مرحلة كانت له أسبابه المادية، إنه تحكم كاذب فمن أين لهم صحته، وهل شهدوا خلق السموات أو الأرض أو خلق أنفسهم؟!!
لقد جازف هؤلاء الملاحدة وافترضوا ما لم يحيطوا بعلمه وطرقوا ما لا مجال لهم فيه وكذبوا البشر قاطبة. وكذبوا الواقع الذي يشهد بتفاهة تفسيرهم للتدين ولكل القيم الإنسانية الثابتة بما فيها التدين الصحيح ومن يصدقهم في أن الصفات الثابتة في الإنسان سببها الجوانب الاقتصادية ومن يصدقهم أن الرغبات الجنسية وحب الانتقام والثأر والإحساس بالرحمة والحزن والفرح والبخل والكرم إنما يعود إلى الناحية المادية فقط دون أن تكون تلك الصفات وغيرها صفات أساسية في فطرة الإنسان. تلك الفطرة التي حاربتها الشيوعية اليهودية لكي يسهل عليهم استعباد البشر وإخراجهم الجوييم عن شريعة الله تعالى إلى شريعتهم الحاقدة على جميع البشر.
نعم إن الإنسان حينما يقف عاجزا عن معرفة سر هذا الكون ويتفكر في خلق الله والأرض والنجوم وسائر الأفلاك وتتابع الليل والنهار والحياة والموت وسائر ما أوجده الله في هذا الكون إذا فعل الإنسان ذلك يجد نفسه عاجزا عن إدراك كل هذا، وحينئذ يعرف بفطرته أن هناك موجد عظيم لهذا الكون هو أقوى منه يستحق أن يخضع له وأن يعبده ويرجو ثوابه ويخاف عقابه، لا أن يعتقد أن المادة خلقته فإن التفكر في كل ذلك يهدي إلى الاعتراف بخالق عظيم قدير حكيم لا شأن للمادة معه بل هي مخلوقة له حدثت بعد أن لم تكن، وهذا هو ما اعترف به الملاحدة في أنفسهم وجحدوه ظاهرا تعصبا لنظرياتهم الفاسدة وقد ذكر الله عز وجل كثيرا من عجائب هذا الكون ورغب الناس في التفكر فيه واستخلاص العبر فذكر سبحانه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة:١٦٤]