للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن الملاحدة وهم في نشوة فرحهم ببناء مذهبهم الإلحادي جعلوا هذا ضمن أدلتهم على تقوية إلحادهم ونظريتهم إلى الدين بعين البغضاء وأنه بزعمهم ينافي العلم، وأنى لهم أن يكون هذا الاكتشاف دليلا على عدم وجود الإله الخالق الذي قدر الأسباب وضرب الآجال وفق سننه في هذا الكون التي هي أجلى من الشمس لولا عناد الملاحدة واستكبارهم وقد أشار الله تعالى إلى هذا في القرآن الكريم حينما أمرت مريم بأن تهز النخلة وهي في حالة تمام الإعياء والتعب في وقت الولادة ليفهم الناس أن الله تعالى يجري الأمور بأسبابها. وقد وجد الفلاسفة الملاحدة صفعة أبطلت نشوتهم بهذا الاكتشاف الميكانيكي وذلك حينما عجز العلماء عن الإتيان بتفسير للأسباب الكامنة في بعض القضايا مع وضوح آثارها دون أن يعرفوا وجه العلة والمعلول فيها وعلى سبيل المثال فإن الراديوم عنصر مشع وإليكتروناته تتحول إلى حطام تلقائيا بعمل الطبيعة وقد أجرى العلماء تجارب لا حصر لها لكي يصلوا إلى سبب إشعاع الراديوم ولكن كل التجارب انتهت إلى الإخفاق. ونحن نجهل حتى اليوم سبب تحطم إلكترون ما وخروجه عن نظامه النووي في الراديوم وأيضا فنحن نشاهد المغناطيس وهو يشد نحوه الحديد. وقد أقام العلماء نظريات كثيرة لشرح هذه الظاهرة ولكن أحدهم كتب يعلق على هذه النظريات قائلا: " إننا لا نعرف لماذا يشد المغناطيس الحديد نحوه ربما لأن الله أصدر إلى المغناطيس أمرا بذلك " (١).

ولقد علل العلماء في الماضي لبعض القضايا بتعليل ظنوا أنه صواب فإذا به عند التحقيق تعليل سطحي، بل لا يعرف الإنسان إلى الآن لماذا ينام حين يستلقي في الليل على سريره ما هو السبب لذلك.

ولقد اعترف الملاحدة بعد طول جدل بأن قانون التعليل ليس حقيقة مطلقة بالمفهوم الذي افترضوه في القرن التاسع عشر، بل لقد قرروا أخيرا " أن نظام العالم لا يخضع لقانون العلة والمعلول الناتج عن الصدفة المحضة، وإنما هناك عقل ذو وعي يدبر شؤون العالم بالإرادة ".

وكان سائدا عند الجهال في القرون الأولى أن هناك آلهة مشتركة في تدبير هذا الكون وهي تخضع في النهاية لإله واحد هو أكبرها فقد تغيرت هذه النظرة الشركية إلى ما هو أقبح منها وهو الإلحاد المادي الحديث القائم على القول بالصدفة وطبيعة أجزاء المادة وانتظامها وانفجارها مما لم يقل به المشركون قديما.

٤ - دليل المادة


(١) هرتزل: هو مؤسس الصهيونية الحديثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>