للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أدلتهم على نفي الإله واعتبار الدين خطرا يضاد العلم قولهم أن أساس هذا الكون كان مادة شبه غبار منتشر ثم حدث أن تحرك حركة لم تنته إلا بتكوين هذا الكون وما فيه في انفجار هائل، ولكن يقال لهم إن هذا التفسير مضحك سخيف فهل تستطيعون أن تثبتوا من الذي كون ذلك الغبار ومن الذي جمعه ومن كان السبب في تلك الحركة التي جعلت الكون كله يتفجر ويتكون على نحو ما هو عليه؟ إنهم لا يجدون لهم جوابا غير أن الصدفة هي التي فعلت ذلك وهو افتراض بدون أساس ناتج عن خيال كاذب وفهم قاصر، ويقال لهم: إذا كان وجود هذا الكون عن طريق الصدفة أليس من الممكن والحال هكذا أن توجد صدفة أخرى تقضي على هذا الكون كله وتتعطل كل هذه المصالح من شمس وقمر ونجوم وغير ذلك مما في هذا الكون المترابط المنتظم بصورة تضمن استمرار الحياة سليمة عن الخراب والتداخل إذ الشمس تجري لمستقر لها والنجوم زينة للسماء والقمر ضياء والرياح لواقح والسحب تحمل المطر والليل في وقته والنهار في وقته، كلها تجري لصالح الإنسان ولبقاء الحياة هذه الدهور التي لا يعرف لها وقت إلا الله تعالى، بل والإنسان نفسه أعظم آية، كيف أوجدته الصدفة من العدم وكيف وجد الإنسان الحي من مادة ليس لها حياة. " إن التفسير الميكانيكي يعجز هنا عن إقرار أن سببا واحدا خلق الكون. وأن هذا السبب نفسه يقوم بتدبير شؤونه في نفس الوقت، إن هذا التفسير نقيض وجود إلهين اثنين. فمن ناحية يقدم لنا هذا التفسير نكتة قانون الصدفة لشرح الحركة الأولى التي وقعت في المادة الراكدة، ولكن هذا التفسير من ناحية أخرى يعجز عن تقديم تفسير مقنع لتسلسل الحركة بواسطة تلك الصدفة نفسها التي وقعت "صدفة " للمرة الأولى لذلك وجب البحث عن إله آخر لشرح هذا الجزء الأخير من التفسير الميكانيكي" (١).

وقد وجدوه بزعمهم في مبدأ التعليل الذي زعموا فيه أن الكون ابتدأ في الوجود إثر حكة المادة وانفجارها الذي سبق ذكره وعرفت سخافته وبطلانه. وحينما قام الإلحاد ونكران الإله على أساس أن الكون خاضع لتلك القوانين المعنية وأن كل حدث له سبب وأن قوانين الارتقاء قد تكفلت بإتمام كل موجود وأن الكون كله تكون من مادة حسب سخافاتهم فلا حاجة إلى القول بوجود إله خالق مدبر لهذا الكون، وبالتالي أخذ عظماء الكفر والإلحاد يتبجحون بما توصلوا إليه في اكتشافاتهم من تلك القوانين الطبيعية فراحوا يتفنون في إطلاق كلمات الإلحاد وأنه بإمكانهم أن يخلقوا الإنسان والكون لو توفرت لهم المواد والتي زعموا أن الكون خلق منها فقال الفيلسوف الألماني " كانت ": " ائتوني بالمادة وسوف أعلمكم كيف يخلق الكون منها " (٢).وقال "هيجل": "إنني أستطيع خلق الإنسان لو توفر لي الماء والمواد الكيماوية والوقت " (٣).وقال "نيتشه": "لقد مات الإله الآن" (٤).


(١) ((المذاهب المعاصرة)) (ص ١٢٠).
(٢) انظر ((المذاهب المعاصرة)) (ص ١٢٠).
(٣) انظر ((المذاهب المعاصرة)) (١٨٥ - ١٩١) و ((الموسوعة الميسرة)) (٣٠٩ - ٣١٠) , و ((الشيوعية ومواقف القرآن الكريم منها)) (٤١ - ٤٩) و ((أيها الشيوعيون هؤلاء قواد ثورتكم)).
(٤) ((المذاهب المعاصرة)) (ص١٩١) , و ((الشيوعية وموقف القرآن الكريم منها)) (ص ٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>