للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالفطرة تدل على أن البشر جميعاً فطروا على عقيدة التوحيد، والاتجاه إلى الله - سبحانه وتعالى - ولم يفطروا على ماركسية، أو رأسمالية، أو داروينية، أو غيرها. ثم إن الله - عز وجل - بعث الرسل، وأنزل الكتب لتقرير الفطرة؛ فصلاح العباد وقوامهم بالفطرة المكمَّلَةِ بالشِّرْعَة المنزلة (١).قال النبي " ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) (٢).وفي حديث عياض بن حمار يقول - تعالى -: في الحديث القدسي: ((وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم)) (٣).

ثم إن الإنسان مفطور على اللجوء إلى ربه - تبارك وتعالى - عند الشدائد؛ فإذا ما وقع الإنسان - أي إنسان حتى الكافر الملحد - في شدة أو أحدق به خطر - فإن الخيالات تتطاير من ذهنه، ويبقى ما فطر عليه؛ ليصيح بأعلى صوته، ومن قرارة نفسه، وعميق قلبه منادياً ربه؛ ليفرج كربته.

وصدق الله إذ يقول: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:٦٥].

ثم إنه لو قدِّر لأي إنسان أي يتجرد من كل عقيدة، ويصير قلبه خالياً من كل حق وباطل، ثم ينظر في العقائد بحق وعدل وإنصاف - لَعَلِمَ علم اليقين أن عقائد الشيوعيين أحط العقائد وأخسها، ولاتَّضح له الفرق العظيم، والبون البعيد بين عقائد الإسلام الصحيحة وبين سائر العقائد وخصوصاً عقائد الملاحدة الشيوعيين، فمتى علم المنصف ذلك عرف أنه ليس بعد الحق إلا الضلال.

وهكذا تشهد الفطرة على بطلان الشيوعية في أعظم القضايا وهي مسألة الإيمان بالله.

إضافة إلى ذلك فإن بقية دعاوى الشيوعية تنافي الفطرة، ومن ذلك - على سبيل المثال - قولهم بإلغاء الملكية الفردية.

يقول الشيخ عبد العزيز البدري: وأما إلغاء الملكية الفردية جزئياً وبعبارة - كما يقولون - تحديد التملك الفردي - فإن الدارس لهذا القول يجد أنه يعني تحديد التملك الفردي بالكمية والمقدار.

وهذا - أيضاً - مناقض للفطرة البشرية، ومخالف للأحكام الشرعية كما تفهم من نصوص الشرع؛ حيث إن هذا التحديد والإلغاء الجزئي يَحُدُّ من نشاط الفرد، ويعطل جهوده، ويقتل عبقريته ومواهبه في حسن الإنتاج والإبداع فيه، وبالتالي يقلل من إنتاجه ويوقفه عند نشاط معين لا يتجاوزه. وبذلك يحرم من مواصلة نشاطه الذهني والجسمي، وعند ذاك تخسر الأمة بمجموعها كفاءة الأفراد المجدين (٤).

وقال الدكتور محمد محمد حسين بعد أن ذكر شيئاً من مساوئ الشيوعية: وليس ها هنا مجال الرد على دعاواهم، ويكفي أن نقول في إيجاز: إن دعوتهم تنزل بالنوع البشري إلى الحيوانية؛ لأنها تهمل الجانب الروحي في الإنسان؛ الذي هو به إنسان؛ فهي خرافة لا سبيل إلى تحقيقها؛ لأنها مخالفة للناموس؛ فالناس متباينون: قوة بدن، وذكاءاً، وخلقاً، وفطرة.

والله - سبحانه وتعالى- يقول في محكم كتابه: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام:١٦٥].


(١) ([٤٩٢]) بتصرف عن ((مذاهب فكرية)) (ص ١٧٥).
(٢) ([٤٩٣]) سميت جدلية " هيجل " الجدلية المثالية لإيمانه بالإله. وسميت جدلية " ماركس " الجدلية المادية وكلمة " الديالكيتك كلمة يونانية أصلها " دياليغو " أو " أوديالكتيكوس " بمعنى المحاجة والنقاش ومجاذبة أطراف الحديث، ويراد بها في الشيوعية ما يظهر عن تناقضات الأشياء ونتائجها.
(٣) ([٤٩٤]) انظر: ((الكيد الأحمر)) (ص٣٥٤).
(٤) ([٤٩٥]) بتصرف عن ((الفكر المادي في ميزان الإسلام)) (ص٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>