للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينبغي التنبيه إلى أنه إذا وجد نزاع بين المسلمين فإنه لا يكون من أجل إسقاط طبقة لطبقة أخرى أو علو فئة على أخرى وإنما يكون ذلك في الغالب من أجل الوصول إلى الحق وإلى دفع الخطأ والخطر عن الناس وهذا أمر طبيعي فلا يجوز أن يفسر على أنه صراع طبقي كما يفسره الملاحدة حسب نظرياتهم المادية.

وقد يكون النزاع إما أمر بمعروف أو نهي عن منكر وليس هو من قبيل الحرب الاقتصادية أو بسبب الملكية الفردية أو الجماعية كما يزعم الملاحدة أو أنه حرب طبقات. ومن أقوى ما يدل على كذب الملاحدة في زعمهم أن نزع الملكية الفردية ينهي الصراعات ويؤلف القلوب ويساوي بين طبقات المجتمع كلهم فيعيشون عيشة ملائكية من أقوى ما يدل على كذبهم هذه الصراعات التي لا نهاية لها بين مختلف معسكرات الشيوعية. مع أن الملكية الفردية لا وجود لها في دستورهم فلماذا إذن هذه الصراعات وعلى أي شيء؟ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر:٤٣] (١).

كما أن زعمهم أن الصراع هذا لا يزول إلا بزوال الملكية الفردية كلام كاذب فإن الصراع باق والملكية الفردية كذلك لن تزول من نفوس الناس والدليل على ذلك أن الصراع لم ينته مع وجود القمع الشديد للملكية الفردية في البلاد الماركسية، بل إن الصراع لا يمكن أن ينتهي ليس بين الناس فحسب بل والحيوانات كلها.

وقد عاش الناس في ظل النظام الشيوعي حقبة من الزمن وهم ينتظرون تلك الجنة التي وعد بها "ماركس" بعد أن وضعت الحرب الطبقية أوزارها وبعد أن قضى النظام الماركسي على الملكية الفردية بكل وحشية عرفتها البشرية وهم ينتظرون ذلك اليوم الذي يزول فيه الصراع الطبقي بكل أشكاله فلا يبقى صراع ولا أحقاد ولا حاكم ولا جيش ولا سجون يعيشون كالخراف الأليفة ولكن ماذا كانت نتيجة هذه السخافة؟ لقد عاش المجتمع الشيوعي صراعا طبقيا مريرا سواء أكان على مستوى الأفراد أو على مستوى الدولة إلى أن هدأت عاصفة الشيوعية وكيف لا يحصل صراع بين جماعات قامت في الأساس على الصراع بل وعلى مشروعيته وضروريته لقيام حكم البروليتاريا بزعمهم حتى أصبح الصراع والثورات والقتل والاغتيال من أسس بناء الماركسية دون أن تظهر أدنى إشارة إلى تلك الجنة المزعومة الماركسية، ومثل هذه الكذبة وقعت أيضا الكذبة الأخرى وهي القول بأن الناس كلهم سيعيشون حياتهم في مستوى واحد وعلى طبقة واحدة بلا تفاضل بينهم عندما تكتمل الشيوعية وتطبق وفق ما قرره اليهودي "ماركس" عدو الجوييم – حسب تسمية اليهود لهم – وإذا سألت عن سر بقاء الحكومة في البلاد الشيوعية فإن جوابهم: إن هذه الحكومات القائمة إنما هي حكومات مؤقتة وستنتهي بانتصار الشيوعية على كل الأنظمة المناوئة لها (٢).

لأن الناس حينئذ سيعيشون دون مشكلات ولا صراع يتطلب تدخل قوة عليا ولا فقر يسبب المشكلات ولأن الناس حينئذ يكونون على مستوى رفيع في الأخلاق والسلوك الطيب والرقابة الذاتية التي هي أقوى من الرقابة الخارجية ولا ملكية فردية تسبب الخصومات والاستئثار بالمال والرغبة في جمعه. هكذا زعم الملاحدة ولكن السؤال المهم هو هل ستتحقق هذه الأحلام السخيفة في يوم من الأيام، أو هل تحققت في يوم من الأيام بالدليل المقنع (٣)، أم أنها خدع كاذبة وتضليل أو أفيون للشعوب المغلوبة على أمرها كما هو الواقع.


(١) ([٥١٠]) ((لله يتجلى في عصر العلم))، (ص ٧٧).
(٢) ([٥١١]) ((الله يتجلى في عصر العلم))، (ص ٥٢).
(٣) ([٥١٢]) ((الله يتجلى في عصر العلم)) (١٠٥ – ١٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>