للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأي طاغوت من طواغيت الحكم في النظم الجاهلية يتحمل ما هو أدنى من هذا الكلام؟

وما يزعمون من أن الطبقات القوية هي التي تحكم وتشرع لبقية الطبقات وتستعبدها. هذا صحيح ولكنه لا يوجد إلا في النظم الجاهلية الذين يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله والذين يصبح الظلم عندهم من شيم النفوس، فإن وجد ذا عفة فلعله لا يظلم كما عبر ذلك أحد الشعراء الجاهليين قديما ولكن هل هذه هي الحقيقة التي لابد منها أو الخيار الذي لا آخر سواه؟ كلا. بل هناك عقيدة فيها الحل الصحيح دون المرور بتلك الطرق الظالمة المظلمة إنها العقيدة الإسلامية التي تجعل صاحب المال والفقير أخوة متساوين متضامنين. الله رب الجميع وحكمه ينفذ في الجميع، لا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وليس هناك طبقات هم السادة الحاكمون المالكون وطبقات هم العبيد المستذلون إلا في النظم الجاهلية التي لا تقيم للإنسان وزنا إلا من خلال ما يملك من المال والجاه فيبدو المال بهذه الصورة هو السبب في الظلم والطغيان بينما الواقع الصحيح هو خلاف ذلك فإن المال والملكية الفردية من الظلم أن يحملا طغيان المنحرفين "ولا تزر وازرة وزر أخرى".

إن الذي يطغيه المال وتطغيه الملكية الفردية هو شخص منحرف في الأساس فاسد الطباع سواء كان له مال أو لم يكن له مال ذلك أن المستقيم على الحق القائم بأمر الله لا يطغيه المال وإنما يستعمله في أعمال الخير ووجوه البر المختلفة مراقبا فيه ربه متيقنا أن المال ظل زائل وعارية مستردة وأن الدنيا شدة بعد رخاء ورخاء بعد شدة.

أما مفهوم المساواة في الأجور في النظام الشيوعي الذي زعمت الماركسية أنه مكفول للجميع فقد حملهم على القول به ما زعموه من أن البشرية كانوا في أصل نشأتهم يعيشون عليه متساوين كلهم في الحقوق بلا ملكية فردية الكل للجميع في المأكل والملبس والمسكن والنساء لا فرق بين شخص وآخر، حتى جاءت الرأسمالية والملكية الفردية فقلبت تلك الأوضاع التي تريد الشيوعية إرجاعهم إليها مرة أخرى، وهذا لا يتحقق إلا بوضع الدولة يدها على كل وسائل الإنتاج والعمل ومن ثم يأخذ كل شخص ما يستحقه من قبل الدولة، وهذه الدعاية جذابة في ظاهرها. ولكن هل تحققت فعلا في النظام الشيوعي فأعادت إليهم سعادتهم التي كانت في الشيوعية الأولى بزعمهم؟!!، وهل ساوت بين العمال فعلا فلم يعد هناك تمايز بين شخص وآخر وحاكم ومحكوم؟!!.

لاشك أن الواقع الذي انجلت عنه الشيوعية بعد اندحارها يكذب كل تلك الدعايات ويخبر أن الشيوعية إنما نجحت في مساواة الناس كلهم في الفقر والحاجة وليس في الغنى والسعادة لأنه لا يوجد أي حافز يجده الشخص حتى يبذل أقصى جهده في العمل ليجده مستقرا في يد الدولة التي لا تعطيه إلا بقدر حاجته الضرورية. وما الذي ينفعه أن يقال له إن جهدك وعملك حينما يذهب إلى الدولة إنما هو إسهام منك في تقوية الدولة لتتمكن من إظهار الشيوعية ولتقمع أعداءها إن فكروا في الاعتداء عليها. ما الذي ينفعه حين يقال له إنك بذلك الجهد في العمل مع أنك لا تأخذ إلا ما يكفي حاجتك الضرورية دليل على سلوكك الطيب وأنك غير جشع كالرأسمالي الغربي وأنك مواطن طيب، وما الذي تنفعه وعود الملاحدة بأنه سيعيش في جنة عالية بعد أن تتمكن الشيوعية من بسط نفوذها على كل الأرض وكيف تقتنع نفسه بهذه الحالة البائسة التي يعيشها في الوقت الذي يرى فيه وجهاء القوم وأصحاب السلطة يعيشون في ترف لا حد له. مساكن فاخرة وسيارات فارهة وبساتين نضرة وخدما وحشما. وهم يتظاهرون بالدفاع عن الطبقة الكادحة وبنضال الرأسمالية.

<<  <  ج: ص:  >  >>