والرأي أن تكتب إلى عُمَّالك باليمن والشام أن يميزوا نصف من كان معهم من الجنود ويحبسوا منهم النصف معهم، فيكونوا حرسا للأرض وحُماة البلاد، ويوجه كل واحد منهم إلى العراق بالنصف الآخر، فيكونوا مدداً لإخوانهم بالعراق، وتقيم أنت بمكانك هذا ردءاً لأصحابك، وتستجيش من الأعراب ما أمكنك، وتوجه بهم إلى إخواننا بالكوفة اولا أولا، فإن الله ناصرهم بمنَّه وطوله، وتلك عادته في أوليائه وأهل طاعته. قال عمر:هذا لعمري هو الرأي الوثيق والمشورة الصادقة. فعندها دعى عمر بالسائب بن الأقرع. وأمره بالمسير، وكتب عهدا للنعمان بن مُقرن المزني بولاية الحرب وكان النعمان بن مقرن ببلاد كسكر - قد ولاه عمرُ أمرها - وكان له فضل في دينه، وسابقة صحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونجدةٌ في الحرب. فلما كتب عهد النعمان بولايته تلك الحرب دفع عمرُ كتاب العهد إلى السائب ابن الأقرع، وأما أن يسير به إلى النعمان بن مُقرن - وهو ببلاد كسكر - فوصل اليه وكتب معه إلى عمار بن ياسر أن يُقيم بالكوفة في ستة الآف من فرسان العرب ورجالهم، ويسير الباقون مع النعمان بن مُقرن إلى نهاوند، وكتب أيضا إلى أبي موسى الأشعري وكان بالبصرة - مثل ذلك - وكتب إلى أبي عبيدة بن الجراح - وكان على ثغر الشام - والى المُهاجر بن أمية وكان على اليمن وحُذيفة بن اليمان، وأمرهما أن يحسبا من خيلهما نصف ما معهما من الجنود، ويسير الباقون إلى أرض العراق، وينضمون إلى النعمان بن مُقرن. وقال للسائب، إن قُتل النعمان فالأمير من بعده حُذيفة بن اليمان، وإن قتل حُذيفة فالأمير من بعده جرير بن عبد الله الَجِلي وإن قتل جرير فالأمير من بعده المُغيرة بن شُعبة، وإن قتل المُغيرة فالأمير من بعده الأشعث بن قيس الكندي. وكتب إلى النعمان بن مُقرن: إن قبلك بالكوفة رجلين هما فارسا العرب، عمرو بن معدي كرب، وطليحة بن خُويلد، فشاورهما في الحرب، وتولهما شيئا من الأمر، وأرِهما أنك غير مستغن عنهما، لتستخرج بذلك نُصحهما. ثم سار السائب بن الأقرع حتى ورد الكوفة، وأوصل إلى عمار بن ياسر كتاب عمر بن الخطاب رحمة الله - ثم سار إلى كسكر فأوصل النعمان بن مُقرن عهده، ووجه إلى أبي موسى الأشعري بكتاب عمر، فحبس عمار وأبو موسى الأشعري نصف من كان معهما بالكوفة والبصرة بالنصف الآخر إلى النعمان بن مقرن، وأتاه أيضا المدد من اليمن وأرض الشام، فلما اجتمعت إليه الجيوش سار أرض الخيل حتى وافى نهاوند، فعسكر على ثلاثة فراسخ من المدينة بُرستاق يسمى الأسفيذهان بقرية تسمى قد يسجان، وخندق على عسكره، وخرج أمير جيوش العجم مردانشاه حتى نزل بعسكره عند قرية يقال لها خياهشت، وبين العسكرين مقدار نصف فرسخ، وأن مردانشاه أمر بجميع الفعلة إليه من كل قرية، فحفروا كهيئة الخندق مستطيلا فيما بين العسكر العرب وبين جبل يسمى ابراي، فحفرَ في عرض عشرين ذراعا وحفر في الأرض عشرين ذراعا، ثم طمر بتراب السبخة، وأجرى عليه الماء، وجعل طوله فرسخين، مع بطن ذلك الرستاق، وجعل مكيدة للعرب، وظن أن الخيل إن انهزمت أخذت نحو الجبل فتهورت في ذلك الخندق. فلما وافى النعمان بن مُقرن بجيوش العرب بنهاوند، وكان في زهاء ثلاثين ألفا من سادات العرب، من اليمانية والعدنانية وفرسانهم ورجالهم، عمر بن معدي كرب الزبيدي، وطليحة بن خويلد الأسدي، وقيس ابن هُبيرة المكشوح المُرادي، وعروة بن زيد الخيل بن مهلهل الطائي، وجرير بن عبد الله البجلي، والأشعث بن قيس الكندي، وغيرهم من فرسان العرب وشجعانهم. ونزل مردانشاه بجيوش خياهشت، وكانوا في زهاء ثلاثمائة ألف راجل وفارس من العجم، وقد خندقوا على أنفسهم، وكانت امداد العجم تترى على مردا نشاه، من قبل يزدجرد الملك، وكان مقيما بمدينة قم في كل يوم، ومكثوا أياما كثيرة لا يبرحون من معسكرهم، ولا يخرج العجمُ من صفوفهم ومعسكرهم. فقال النعمان بن مُقرن لعمرو معدى كرب، وطليحة بن خويلد: إن هؤلاء العجم قد عسكروا بمكانهم هذا، وخندقوا على أنفسهم، وأمسكوا عن الخروج إلى الحرب، وأمدادهم تترى عليهم كل يوم، وليس الرأي إلا معالجتهم، فكيف الحيلة في ذلك؟ فقال عمرو بن معدى كرب: الرأي أن تُشيع أن عمر أمير المؤمنين قد مات، ثم ترتحل بجميع جُنُودك مُولياً، فإنك لو فعلت ذلك خرجوا من معسكرهم واتبعونا، فإذا فعلوا ذلك فاعطف عليهم، فإن