ثم إن النعمان بن مُقرن ركب فرسا أشهب ولبس ثيابا بيضا فوق الدرع، ووضع على رأسه قلنسوة بيضاء فوق البيضة، ثم تربع على فرسه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا معشر العرب، إنكم نظام الإسلام، والباب بين المسلمين وأهل الشرك، فالله الله في الإسلام وأهله، يا معشر العرب استعملوا الصبر تُثابوا عليه بالأجر، فإنكم على إحدى الحسنيين، إما الغنيمة والفضل، وإما الشهادة والفوز. ثم حرك فرسه وجعل يدور في الرايات والصفوف، رايةً رايةً وصفاً صفاً، ويقول: أيها الناس، إنما قوام الإسلام باله ثم بكم، اصبروا وصابروا، فإن الله وعد الصابرين أجرا عظيما، إن هربوا سلموا إليكم خزائنهم وأموالهم، وإن هربتم أوهنتم الإسلام وأضعفتم الحرمات، ليشتغل كل واحد منكم بقرنه، ولا يحيل قرنه على أخيه، فإن في ذلك عار الدنيا وعقابُ الآخرة. أيها الناس إن عاقبة الصبر محمودة، ومع الصبر يكون النصر. فجعل يدور في الرايات وقول هذا وشبهه، والعسكران متواقفان، والناس تحت راياتهم وصفوفهم. وأقبل المغيرة بن شُعبة على فرسه حتى دنا من النعمان فقال: أيها الأمير، إن الناس قد تشوقوا إلى لقاء هؤلاء القوم، وقد استعدوا للحرب، فماذا تنتظر؟ فقال النعمان: رويدا يرحمك الله، فإني منتظر الساعة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل فيها، وهي زوال الشمس، وتهب الرياح، فلما أن قارب ذلك الوقت نادى النعمان: أني هارُّ الراية ثلاثا، فإذا هززتها أولا فكبروان وليشد كل واحد منكم حزام فرسه، ويسوي عليه شكتهن فإذا هززتها الثالثة فكبروان وأحملوا فأني حامل أولكمن ولا قوة إلا باللهز فمد الناس أعينهم إلى الراية، فلما زالت الشمس وهبت الريح هز الراية فنزل الناس عن خيولهم فشدوا حزمهان واستوثقوا من ألبابها واتقارها، ثم هزها ثانية فأسند القوم أسنة الرماح نحو العجمن وهزوا سيوفهم، ثم هزها الثالثة فحمل وحمل معه عمرو بن معدي كربن وفرسان العربن وحمل المسلمون على آثارهم حملة رجل واحد، وأسندوا رؤسهم إلى قرابس سروجهمن فلم يكن للعجم ثبات عند حملتهمن فأنهزموا على وجوههمن وكان النعمان بن مقرن اول قتيلن فحمله اخوه سويد بن مقرن فأدخله معسكر العرب، وأخذ أثوابه فلبسها، وركب فرسه متشبها به لئلا يعلم المسلمون بقتله فينكسروا، ثم ان العجم تابوا وتداعوا ووقفوا يحاربون العرب بجد واجتهاد. فتجالدوا بالسيوف وتشاكو بالرماح، وحميت الحرب بين الفريقين، واشتد القتال وثار القتامن وكثرت القتلى بينهمن فنادى عمروبن معدي كرب بصوت له جهوري وهو شيخ كبير: يا معشر العرب، إنه لم يبق من القوم إلا اخر نفسن فأحملوا معي فداكم ابي وامي حملة اخرى ترضون بها الله وتعزون بها الدينن ونادى طليحة بن خويلد وقال: إلى فركض نحوه وحملا أمام الناس، وحمل معهما جميع المسلمين، وسادة العرب وفرسانهم حملة رجل واحدن ووطنوا انفسهم على الموت، فقتلوا في حملتهم تلك مقتلة عظيمة، فولت العجم من بينهم منهزمين على وجوههم، وأخذوا نحو الجبل الذي يسمى ابراين ليعتصموا به، فأنتهوا إلى ذلك الخندق الذي كانوا احتقروه وأجروا عليه الماء وغطوه بتراب السباخ. وجعلوه ليكون مكيدةن ورجوا ان يتقدم اليهم العرب إلى مصاربهم وان ينهزموا فيأخذوا نحو ذلك الجبل فيغرقهم ويغرقوا في ذلك الخندق والحماةز فجعل الله ذلك الخندق مهلكة لهم، فسقط فيه زهاء مائة الف رجل فغرقوا في ذلك الخندق وقتل منهم في المعركة زهاء اربعين الف رجل، وانهزم بقيتهم نحو مدينة قم وبها يزدجرد الملك المقيم بها، لينظر ما يكون من امر الفريين - وأقبل دهاقين نهاوند مع من انضم اليهم من الرازبة، واشراف الاساورة وعظمائهمن حتى انتهوا في هزيمتهم تلك إلى مدينة نهاوند، ولم يجدوا عليها سور حصينان وقد كان سورها العتيق تهدم، ولم يكن فيها حصنن فجاوزوها وساروا منها بالحث الشديد وفرسان العرب على آثارهم، حتى انتهوا إلى قرية من قرى المدينة على فرسخين من المدين تسمى دهمردين وكان فيها قصر عظيم حصين، وعليه باب من حديد فدخلوا ذلك الحصن فتحصنوا فيه، واغلقوا عليهم الباب الحديد الذي كان عليهم وقد استباح المسلمون جميع سواد العجم، وغنموا اموالهم ن واشتغل المسلمون يومها ذلك بموضع المعركة يدفنون قتلاهم. فلما اصبحوا من الغد استعد المسلمون الىذلك البلد الذي تحصن به القومز وقد تولى الامر