قل للازارق مدرك ان جاها ... هو الذي بسيفه افناها
وهو الذي لحتفكم اتاها ... هو الذي يصليكم لظاها
أو يفنى من بلاده سراها ... كما صلى من قبلكم اشقاها
فخرج اليه عمرو القي، فهزم الناس، حتى افضى الهزيمة إلى المهلب، ففحص الجيش، فقال مدرك لابيه: دعهم فليغلبوا على ما غلبوا عليه، فانهم يرضون من باول ما يصيبون منا، فاذا رجعوا حملت عليهم. فقبل المهلب رأيه لمعرفته بالله، وكان كثيرا ما يقبل من اولاده على معرفته بامور الحرب. فكان يتيمن برأي اولاده فتهيأ لهم مدرك في خيله، فقتل منهم قتلا ذريعا وحمى مدرك الناس، ونزع مغفره، فرمى به، وصاح بالازارقة: انا مدرك، ادرك فيكم ما امل، ولم يزل في اثرهم حتى ادخلهم خندفهم، فرجع إلى لبيه فحمد له رأيه، وشكر له فعله. وفي ذلك يقول زياد بن الاعجم:
امدرك لا عدمتك كل يوم ... وهذا اليوم أنت فتى العتيك
كففت عن المهلب خيل عمرو ... وعمرو قد اذل على ابيك
فلما ان رأيت الخيل رهوا ... اشار مشارة الرجل الحنيك
ملت عليهم بالسيف صلتا ... وقد كسروا الجناح مع الفنيك
وكنت كالف مقتتل مشيح ... وذلك كان من صنع المليك
فرمحك في العجاج لتمر غاب ... وحد السيف للبيض الحنيك
وقومك والملوك وانت يوما ... إذا انتسبوا من اولاد الملوك
واشتد القتال، وطال على الازارقة حرب المهلب، وكثر مناحبته لهم. فبلغنا ان قطرى بن الفجاة، نظر ذات يوم في حربهم تلك، فرأى رجلا في القلب من عسكر المهلب، فالتفت إلى اصحابه فقال: ما رأيت هذا الساحر صنع الحزم الا اليوم، الا إلى خفة القلب، وحللة الشدة، والخملة، وعشر المؤمنين، عسى الله ان يقتله ويريحكم منه. فسمعها المهلب منه، فسل من سيفه نحو اربع اصابع، وتحزم وتهيأ، ولم يشك انهم فاعلون.
قال الحجاج بن القاسم، وكنت مع المهلب، وقد سمعت من قطرى ما سمعت فتركت المهلب، وقد تحزم وتهيأ، ومضيت اركض إلى الميمنة، فجئت إلى المغيرة وهو على الميمة، فقلت له الحق اباك لا يؤخذ برقبته الساعة، واخبرته ما سمعت فجئت انا والمغيرة يركض فوافقنا قطريا، وقد حمل فضرب المغيرة بيد إلى مغفرة وعمامته، فالقاهما، وحسر على وجهه، فخلناه استأسد يومئذ، ثم لقي القوم مضاربهم حتى ردهم إلى مراكزهم، وجعل يقول: الي يا اعداء الله. فخلص اليه قطرى فشد عليه المغيرة، فضربه بالجرز، وحامى عليه الخوارج، فحملوه، وقد اتنته الضربة فقال عبيدة بن هلال:
من آل قطري بالمغيرة وحده ... فيضربه بالجرز والنقع اصهب
فاقعى امير المؤمنين على استه ... وقد كان لا ذا هيبة يتهيب
ثلاث ايام علينا نحوسها ... واني ليوم رابع مرتقب
أقول لاصحاب القرآن نصيحة ... دعوا الظن ان الظن جدع مشذب
كشفت قناعي يوم قلت انا الذي ... غضبت ومثلي للذي نال يغضب
وكان قطري بن الفجاءة، يقول لاصحابه قبل حرب المهلب لهم ان حاكم المهلب فهم الذي تعرفونه، ان اخذتم بطرف ثوب، اخذ بطرفه الاخرى، يمده إذا ارسلتموه، ويرسله إذا امددتموه، لا يبدأكم لا ان تبدأوه، الا ان يرى فرصة فينتهزها فهو الليث الهزبر، والثثعلب الرواغ والبلاء المقيم.
قال قطري ايا لاصحابه: ان جاءكم المهلب، رجل لا يناجزكم حتى تناجزوه، وياخذ منكم ولا يعطيكم، وهو البلاء اللازم، والمكر الدائم. فلما اتاهم المهلب، بالحرب ومكره فيه، انه لما اعيى حرب الازارقة وطال الامر بينهم، ومكر بهم، حتى اختلفت كلمتهم، وتشتت امورهم، فوصل إلى ما يريد وذلك ان رجلا من الازارقة كان يعمل نصالا مسمومة، فيرمي باصحاب المهلب، قوقل من كان إذا اصابته نصلة من نصاله يعيش، فوقع خبره الىالمهلب. فقال لاصحابه: انا اكفيكموه ان شاء الله، ووجه رجلا من اصحابه بكتاب، والف درهم إلى عسكر قطري فقال له: الق هذا الكتاب، والكيس اليهم في العسكر، واحذر على نفسك.
وكان الحداد يقال له ابرى.