ولا يؤمل إرجاع قبيلة من قبائل الكرد إلى أصلها المتفرعة منه، أو بالتعبير الأصح مراعاة أنسابها إلا من طريق التاريخ أو المحفوظ عن القبيلة نفسها ولم نجد من قطع في ذلك وإنما هناك روايات متداولة، والتاريخية أشبه بهذه تماماً لا تختلف عنها إلا في تقدم التدوين. فلا سند قطعياً يعول عليه. فكل من هذين المرجعين لا يؤدي إلى القطع. ولا يعرف هؤلاء الا بالمحل الذي سكنوه وتطاول عهد سكناهم به فلحقتهم التسمية بسببه، أو أن المحل بسبب تمكنهم فيه تسمى باسمهم كما هو مشاهد في حوادث كثيرة. وفي الأصل تعتبر هذه من قبائل روزكي (١) . وكل ما عرفناه أن قبيلة روزكي المذكورة كانت ٢٤ قبيلة كردية جمعتها الحوادث فاتفقت في موقع يقال له " طاب " من ناحية خويت، وصار يطلق على ١٢ منها " بلباسي "، وعلى القبائل الأخرى وهي ١٢ " قواليسي ". وبلبيس، وقواليس قريتان من قرى ولاية حكاري. وعلى رواية ان هاتين العشيرتين من طوائف " بابان ". اجتمعت هذه القبائل في طاب، واقتسمت الأراضي هناك فيما بينها، وكانوا وحدة كاملة، وعلى قلب واحد لم يحدث بينهم شقاق أو خلاف، فنصبوا عليهم حاكماً، واستولوا على المدينة. ثم وسعوا حكمهم، وقووا سلطتهم على الأطراف. ولم يؤيد هذا سند تاريخي.
وكانت هذه القبائل المسماة " روزكي " تنعت بالكرم والسخاء والشجاعة والغيرة والصدق والدين والأمانة، وتعرف بالمكانة. وفي أيام السلطان سليمان القانوني حدثت غوائل في تلك الأنحاء أدت إلى أن يميلوا إلى إيران، ويقضوا مدة الغربة والمحنة، وأصابتهم مشاق لا يستطيع الصبر عليها غيرهم. صاروا في أنحاء سيستان، وحاربوا البلوج مدة، فانتصروا عليهم. وهكذا تقلبت بهم الأحوال حتى سكنوا العراق. ويصلح أن تعد أيام السلطان سليمان تاريخ هجرتهم من مواطنهم الأصلية إلى العراق. وبالأخص " البلباس ".
قال صاحب الشرفنامة يتفرع هؤلاء " روزكي " الى ٢٤ فرقة منها خمس فرق وهي: قيساني.
بايكي.
موركي.
ذو قيسي.
زيداني.
وهذه تعد قبائل بدليس القديمة. وأما الباقون فهم: بلباس.
قواليسي.
والبلباس منها تتفرع الى: كله جيري.
خربيلي.
بالكي. الآن قبيلة في العراق قائمة بنفسها.
خيارطي.
كوري.
بريشي.
سكري. ويقال ان بابان منها.
كارسي.
بيدوري.
بلاكردي.
وأما قواليسي فهي: زردوزي.
انداكي.
برتاقي.
كردي كي.
سهرودي.
كاشاغي.
خالدي.
استودكي.
عزيزان.
هذا ما كان قد بينه صاحب الشرفنامة (١) عن ماضي هذه القبيلة، ومنه علمنا مكانة بلباس وان الاستيلاء العثماني على أنحاء الكرد دفعهم الى مواطن غير التي كانوا فيها، فمالت هذه الى العراق، ومن ثم عرفنا مجمل تاريخها الى سنة ١٠٠٥هـ، وحينئذ تبدأ وقائعها في العراق. وقد أورد صاحب تاريخ " قويم الفرج بعد الشدة "(٢) بعض أحوال هذه القبيلة مما يؤكد ما جاء من الأوصاف التي بينها صاحب الشرفنامة إلا أن السياسة أظهرتهم بوضع سيء ... ونقدهم صاحب قويم نقداً مراً. قال ما ترجمته:" إن الوزير - حسن باشا - زحف على الكرد عام ١١٢٣هـ، وهذه الواقعة أنست الحوادث العربية، وهؤلاء الأكراد يقال لهم " كرد بلباسي "، فإذا نظرنا الى ظاهرهم وجدناهم شافعية، وأكثرهم فقهاء، رحل، أينما حلوا اتخذوا لهم مسجداً، وإذا جرى البحث عن الزهد والتقوى رأيتهم لا يرضون بالأكابر، وعدوا أنفسهم من خير الزهاد. ومن مظاهر ذلك نشاهد بيد كل منهم سبحة، وفي رأسه سواك، ولكنه في الطرق المعبدة من أشطر السراق، يصلي النوافل إلا أنه لا يعرف حقوق الله، وكل منهم قارئ، وهو أيضاً ماهر في الرمي ومع هذا لا يراعون أمر الشرع ... فلا يبالون من إراقة الدماء البريئة ... فلم يعلموا بما يرضي الله تعالى. وهل يفيد المرء أن ينطق بالشهادة ولا يراعي شعائر الإسلام وأحكامه ... ؟ فلو قتل الواحد الآخر قتلوا القاتل، وهكذا يتوالى القتل حتى يتكون الحرب بين القبيلتين، فلا يتم النزاع بأقل من مائة أو مائتين. ولم يمض يوم أو أسبوع بينهم إلا وترى الخصام مشتداً. هذه الحروب بينهم في حين انهم أخوة دين ... يفني الواحد الآخر ... ويعصون أولي الأمر، ويخالفون أوامرهم. وعلى كل لم تكن الدماء بينهم محترمة، وإن قتل الواحد عندهم كشربة ماء لا يتكلفون من ذلك.