إن هؤلاء لا يقاسون بالعشائر العربية. فالعرب يسلبون ولا يقتلون. فتجهز الببه " بابان " عليهم بسبب ما حدث بين الطرفين من فتنة، فاستضعفت كل الآخر واستفحل الأمر، فكان هؤلاء البلباس لا يعدون غيرهم شيئاً، فأحدثوا اضطراباً.
وكثيراً ما أزعجوا شاهات العجم، وجعلوهم في لبس من أمرهم، ونالهم منهم غم وكدر لحد أن شاه إيران قدم للحكومة العثمانية شكوى في أحوالهم، ثم أنهم أصلحوا شأنهم مدة، وفي واقعة البصرة أعانوا الحكومة خير إعانة، وحاربوا محاربات مهمة، وفادوا مفاداة تذكر وإن الوزير لم يبخسهم حقهم من المدح والثناء، وعرض خدماتهم كلها الى حكومته.
وفي هذه الأيام تجاوزت العشيرتان الواحدة على الأخرى، فأدت الى خلل في الإدارة والنظام، واعتل جسم المملكة، وكادت تزهق في البين نفوس كثيرة، فلما علمت الحكومة بالخبر سارع الوزير لتسكين هذه الغائلة فجهز جيشاً، وتقدم فوصل طاووق " دقوقا "، ومنها توجه بالعساكر، وجعل القائد عليها " باش اغا "، ليطفئ نيران الفتنة في بلباس، ثم أن الوزير عقب أثره، فوافى كركوك، فلم يجد واليها، وإنما رأى المتسلم فاستقبله أعيان البلد وخواصه. وهناك استطلع الوزير أحوال الببه " بابان " والبلباس، وتحقق ماهية الحادث وسأل على المعتدي من الفريقين. فأبدوا أن البلباس لو تركوا وشأنهم لما استطاع أحد المعيشة معهم، أو إذا لم تبذل همة لمنعهم وجبت الهجرة وبقي حبل الأمن مضطرباً. وليس فيهم رجل رشيد يصح التفاهم معه.
أما أحوال الببه فهي معلومة، وإن هؤلاء مظلومون. وفي هذه الأثناء جاء رجالهم وطلبوا من الوالي النجدة، وأن ينقذهم من شرة أولئك.! ومن ثم هاجم الوزير عشيرة بلباس، ودمر جموعها، ونكل بها شر تنكيل، فتركوا أموالهم وما يملكون وفروا هاربين وإن الببه نالوا توجهاً من الوزير فلم يصبهم ضرر. ولما وصل الوزير ألبجه " حلبجه " جاءته البشائر بانتصار الجيش. ووافاه رئيسهم بمائة وخمسين رأساً من القتلى، أعني " مير بكر "(١) الشاب البطل ومعه عشائر شهرزور ... فعرف كل حده، وأسكن كلاً في مكانه ونظم الأمور هناك وأكرم المير المذكور، وخلع عليه بالخلع الفاخرة، وأنعم إنعاماً كبيراً، وجعل سائر الأكراد والمطيعين من البلباس في وفاق ووئام ...
وبعد ذلك كله عاد الوزير إلى بغداد قرير العين، فرحاً بالنصر. " اه (٢) وفي حديقة الزوراء ذكر هذه الواقعة سنة ١١٢٤هـ، وفي كلشن خلفاء كانت سنة ١١٢٦هـ ولكن قويم الفرج أقدم المصادر، وأوسعها، فرجحنا النقل منه ... هذا ولا يهمنا أن نتعقب كافة الحوادث، فقد ذكرت ذلك في التاريخ إلا أننا اكتفينا بهذه الواقعة، فإنها تعين وضع البابان، وسياسة الحكومة في السيطرة، ولهجتها في تبرير العمل الذي قامت به وكذا أعيان كركوك والتزامهم جهة البابان ... كما أن هذا النص يعين حالتهم، وشكوى الإيرانيين منهم مما يعين أنهم من عشائر العراق ... فكان درويش باشا الفريق لم يؤيد قوله بنصوص أقدم مما ذكره في أيام نادر شاه والقجارية ...
وتاريخ الواقعة يعين تكون إمارة بابان، وظهورها موالية للحكومة، بحيث ناصرتها، وأمالتها الى جهتها. ولكن بلباس لم تنقطع علاقتها من العراق إلا أنها لم تكن صاحبة الحول والقول ... وفي تاريخ العراق بيان وقائعهم، وجاء في تاريخ " جها نكشاي نادري " عن بلباس أنها طائفة كبيرة، كثيرة العدد، وأنها من عشائر بلاد الروم " المملكة العثمانية " وقد جهزوا جيشاً عليها، ونكلوا بها. فهي الى هذا الحين " أيام نادر شاه " كانت معدودة من قبائل العراق، فيرى امتداد الزمن من عهد حسن باشا الوزير. حتى هذه الأيام. وفي تاريخ القجار في حوادث سنة ١٢٢٦هـ إن هذه القبيلة أضرت كثيراً بناحية سلدوز، وسببت خساراً، فجهزت الحكومة عليها جيشاً للقضاء على غائلتها، فكان القائد أحمد خان من شيوخ أذر بيجان، وعسكر خان الافشاري، هاجموها بأمر من عباس ميرزا، فانتهبوا ما عندها ...