العشائر لم يكونوا كأهل المدن يرضخون للاوامر رغبة أو رهبة. فليس من السهل حكمهم أو التحكم فيهم. وما ذلك الا لقلة السلطة أو ضعف الإدارة في التسلط عليهم ... وكيف تستطيع السلطة أدامة السيطرة والعشائر الكبيرة تعتمد قوتها، فلا ترضى بالانقياد لكل أمر. وربما كان هذا مما يمنع الدولة أن تتدخل في الصغيرة والكبيرة. ويصعب أمر الإدارة. فتكتفي تارة بالطاعة الاسمية أو بالضرائب النزرة ... وتظهر حوادث الدول في العشائر الضخمة وفي عشائر الحدود وما ماثل بخذلان ذريع في حين أو أحيان.
وكانت عشائر زبيد ذات قوة وسلطة. ويتكون منها غالب العشائر التي اشتركت في الفتوح، واستمرت في المحافظة على قوتها مدة طويلة. ومثلها العشائر القحطانية، فتتركها الدول وشأنها في غالب الازمان. وفي الحكم العثماني شغلت الدولة كثيرا بهؤلاء أو لم تجد وقتا للالتفات اليها.
وامارة طيء جرت لها من الحوادث المهمة ما يبصر بحالتها السياسية وبقدرتها، ولا نريد أن نعيد ما جاء في التاريخ. وانما نشير الى بعض الامثلة للوقوف على الوضع. ومن ذلك ما كان أيام (قراسنقر) حينما التجأ الى العراق ومعه (أمير طيء) (١) . ومن هذا القبيل أن بعض أمراء الجيش قال لسلطان مصر بعد عزل أمير طيء ونصب غيره ان الفرصة سانحة ان نوقع بالامير المعزول فقال له اياك ثم اياك ان تعيد مثل هذا القول او تفوه به. وظهر الجواب في التجاء الامير المعزول الذي رأى نفرة من دولته ما رأى فمال الى العراق.
ومن ذلك ما وقع لشيخ الاسلام ابن تيمية حينما غضبت عليه الدولة المصرية لمسائل دينية سخط بها بعض العلماء عليه، فجاء أمير طيء ملتمسا العفو عنه فأجيب طلبه مع أن السلطان كان في حذر من مخالفة العلماء مع الرغبة في أن يكون بنجوة من التضييق عليه. خاف أن يميل الامراء مع أحد فيعلن سلطنته، ومن ثم تكون الوقيعة به. ففي هذه المرة رأى الخوف من أمير طيء اكبر فيما لو خالفه. واعتقد ان خطر مخالفته صار أشد ضررا من مخالفة العلماء الذين هم تحت مراقبته والاتصال به.
ومن الأمثلة ان دولة مصر أدخلت أمر العشائر في الصلح المعقود بينها وبين المغول. وان لا يتدخل بشؤونها للغاية نفسها والخشية من اثارة القلاقل من طريقها كما وقع ذلك فعلا في حوادث سابقة ...
ولعل هذا أول اتفاق دولي لمنع العشائر من التدخل في أمور الدول في الحدود لإيجاد قلاقل أو أحداث نزاع قد يؤدي إلى حرب بين دولتين متجاورتين.
وهكذا تحري الامثلة في الحوادث العديدة التي لا تحصى ... ولا شك ان تاريخ الامارة يشعر بسياستها الداخلية والخارجية. وفي تاريخ الجلائرية والتركمان ما يعين الاوضاع أمثال هذه.
وفي العهد العثماني استخدمت الدولة عشائر الكرد، وعشائر العرب لحروبها، أو للقيام بأمر بسط سيطرتها في الوقائع. وهذا كثير في التاريخ العثماني وظهر في اليزيدية والمنتفق وزبيد والغرير والشهوان وآل بابان، وأمراء العمادية. ويهمنا هنا (عشائر العرب) ومن أكبرها عشائر طيء. فقد كانت الرئاسة فيها بدت في أمرائهم (آل أبي ريشة) ظهروا في حصار بغداد أثناء الحروب الايرانية، ومما يعين سياسة الدولة مرة في أستخدامها، وأخرى في أمر القضاء عليها.
وتظهر قيمة العشائر في العلاقات الدولية. أو في الحاجة الملحة للعشيرة أيام القحط وقلة الامطار، أو الالتجاء عندما تتدافع العشائر أو عندما يقع النزاع بين العشيرة والدولة أو في حالة التجول لطلب الكلأ في أراضي دولة مجاورة، الى آخر ما لا يحصى من الاسباب. وفي هذه الحالة يحتاج الاداري الى مهارة، وان يكون مزودا بوقائع القطر لا سيما العشائر والا وقع في أخطاء ضارة بالعشائر والدولة معا. وان هذه الإدارة من أعظم ما يتطلب في عشائر الحدود.
ومن حوادث الحدود ما أوقع السردار الاكرم عمر باشا بعشيرة الهماوند الكردية مما دعا الى غضب دولته عليه من جراء هذه الفعلة المغلوطة في وقيعته بعشيرة من عشائر الحدود. وكانت قبل ذلك جربت في البلباس غلطها وأملها ان لا ترتكب مثل ذلك.