للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يقل الامر أهمية فيما يقع بين العشائر المتجاورة في المملكة الواحدة. فأن النزاع البسيط قد يؤدي الى حروب طاحنة ومتوالية. والاداري الحازم من أعظم واجب عليه أن يشعر بما يتوقع حدوثه فيتدارك أمره، أو أنه اذا سبقه الحادث تمكن من السيطرة عليه ليحدد النزاع ويقطع دابره بين عشيرتين أو عشائر. وفي حوادث التاريخ الشيء الكثير من ذلك. ومنها يعرف الخرق او الحزم. فهو محك. ومن جهة اخرى ان رؤساء العشائر قد يظهرون القدرة والموهبة في وضع اليد على الحادث فلا يدعون مجالا للتوسع فيقمع في الحال. وقد يفرط الامر في النزاع بين العشائر المتجاورة فيحاولون تحديده وتضييق نطاقه.

ولا شك ان هذا الاجمال يعين الحالة. وهناك الاتفاقات بين العشائر لحفظ كيانها تجاه ما تشعر بقوة من ندّها (ضدها) . ويطول استعراض ذلك مما يحتاج الى حنكة ومهارة ونفوذ نظر من الرؤساء أو الإدارة. والضرورة تدعو الى التوسع في الامثلة ونقدها وتحرير ما فيها بسعة الا اننا لا نزال في حاجة الى بيان مذكرات في وقائع خاصة أو استعراض الوقائع وما أرتكب فيها من أخطاء. وفي التجارب عبرة ودروس عظيمة لمن يتأهب لإدارة مثل هذه المجموعات.

والامثلة على الغلط وسوء التدبير كثيرة لا تحصى. وهي مشاهدة في وقائع كثيرة جدا.

وليس من ببعيد ما كان بين عشائر شمر وبين عشائر الحدود في الشام في أيامنا كما وقع بين شمر والعكيدات أو البكارة أو ما حدث بين عشائر العراق بين شمر والبو متيوت. وبين العزة والعبيد وعشائر أخرى. وحوادث الحدود لا تحصى وتدعو دائما الى التفاهم بين الحكومتين لتلافي الخطر، والتقليل من الضائعات أو ما يخشى أن تؤدي اليه الحالة. مما كان يودع في الحال الى (مجلس التحكيم) . وكان العقل رائدا، والحكمة من خير ما يتذرع به. والغرض أماتة الضغائن أو الغضاضة بأي وجه كان والا فأن الدول قد تستفيد أحيانا من ذلك لاثارة الفتن وتوليد الخصام أو الشحناء. وحدود العراق كثيرة. ومن الضروري التيقظ في أمر إدارة العشائر حذر حدوث ما يكدر الصفو بين المتجاورين وهكذا بين عشائرنا في الحدود أو بين هؤلاء وبين المجاورين. وقدرة الإدارة تتجلى في حسن التوفيق بينها وبين هذه العشائر. والسلطة القوية لا يفيد وحدها ما لم تكن مقرونة بحكمة وعدل. وحوادث بني لام وكعب لا تحصى كما أن حوادث الضفير وشمر، وعنزة كثيرة. وهكذا سائر العشائر حتى الضعيفة تنضم الى القوية. أو تهرب من وجه الدولة فتكلفها العناء.

وفي الداخل يحتاج الامر الى التعقّل والبصيرة اكثر والا أدى الحادث الى ما يجر اليه من مصائب تدمير وقتل. والسياسة القويمة لا تهمل وسيلة، ولا تغفل معرفة بل تكون على بصيرة تامة. وفي هذا لا تخسر الدولة بل ربحها في ان لا تخسر ما يتوقع حدوثه من جراء حركة طائشة أو خرق من موظف فتؤثر فيها وفي العشيرة أو العشائر. ولا نقطع بأهمال الوقائع أو وهنها. وليس كل الوقائع مما يصح أن ينتفع به. ولا يقال في الاهمال والاغفال الا لما كان تافها لا يستحق الالتفات.

والامر المهم ان لا تعد من المصلحة اذلال هذه العشائر بالنظر لما وقع أو يقع. وانما المطلوب التفاهم من طريقه وان لا ترضى بوجه ان تتحكم هذه وامثالها بالعشائر الصغيرة بل يجب الاحتفاظ بالموازنة، ومراعاة العدل، فلا تقبل الدولة بالاعتداء بامل كسر نشاط عشيرة واذلالها لتنقاد للموظف الطائش واتخاذ الذرائع للوقيعة بها لا ان تفسح المجال بل تمنع من الاعتداء في مراعاة الهدوء والراحة. وفي هذا ربح. والطيش مذموم في كل الاحوال.

وفي آب سنة ١٩٤٦م وشهر رمضان سنة ١٣٦٥هـ جرى حادث مؤلم بين شمر وبين البو متيوت والجحيش في أنحاء الموصل، فوقعت مذابح طاحنة بين الفريقين تضاربت الآراء في أصل وقائعها، والسبب الداعي لها. ومن مراجعة حوادث سنين نرى وقائع عديدة بين شمر والعكيدات، وبينهم وبين عشائر أخرى. والسبب ان هذه العشيرة لها مكانتها من أيام العثمانيين، وحوادثها معروفة في أنحاء سنجار. وهي شغل الحكومة الشاغل. ولكنها اليوم صارت في (الحدود) من العراق فلا تنكر مكانتها من حيث السياسة ومن نواحي عديدة لا يهمل شأنها، ولا يصح أن تترك ...

<<  <   >  >>