ومن هذا نعلم درجة قربى بعض اقسامهم الى عدوان التي تدعى انها من الضفير وهي قبيلة معروفة ذكرها صاحب (شرقي الأردن) وعدد فروعها (١) . ولا يبعد ان يتجول هؤلاء الضفير في طول الجزيرة وعرضها، وان يتركوا قسماً منهم في مواطن نائية، والظاهر ان بعض فروع عدوان عاشت مع الضفير. وعدوان هذه من القبائل القيسية ذكرها في كتاب عنوان المجد في تاريخ نجد (٢) .
وحياتهم غالبها في تجول وتنقل مستمرين فقد نراهم في انحاء البصرة مرة، كما نشاهدهم في أطراف سنجار أخرى، وهكذا في شرقي الأردن وفي الحجاز ونجد ...
ولا مجال هنا لذكر وقائعهم قبل ورودهم العراق وعلاقاتهم وحوادثهم بالشرفاء في الحجاز وبابن سعود، أو ما جرى من حروب مع أمراء آل حميد من بني خالد في أنحاء الاحساء - فهذا يطول بنا كثيراً، ووقائعها عديدة.
كانت لهم واقعة مع الفضول في سنة ١١٠٨هـ - ١٦٩٧م وكان رئيسهم آنئذ سلامة ابن مرشد بن سويط وهكذا لم يخلوا في وقت من غزو وحرب وكل وقائعهم قبائلية ذكر غالبها صاحب (عنوان المجد في تاريخ نجد) وكلها متماثلة تقريباً في وضعها وشكلها ...
وتفصيل وقائعهم في العراق من حين ورودهم اليه كان له قيمة خاصة ... وهو مذكور في تاريخ العراق ويهمنا ان نقول هنا ان نزوحهم كان بسبب وقائعهم مع آل سعود كما مرت الاشارة. وذلك انه كانت قبائل الضفير كسائر القبائل مستقلة بنفسها تغزو من ارادت، وتحالف، وتتجول.. ولما تأسست حكومة آل سعود في نجد انقادت لها ولم تقدر على مقاومتها فاذعنت بالطاعة ... وكان سعود امير نجد قد قصد الشمال في ذي القعدة لسنة ١٢١٩هـ - ١٨٠٥م.
وكان قبيل ذلك قد حدث بين قبيلة مطير والضفير بعض القتال فقتل من مطير احد رؤساؤها من الدوشان، وقتل من الضفير مسلط بن الشابوش بن عفنان (ومن فروعهم العفنان فخذ يسمى باسمه) فارسل اليهم سعود وهو في الدرعية فاصلح بينهم وكف بعضهم عن بعض وتوعد من اعتدى منهم على الآخر. فلما سار سعود في هذه الغزوة اجتاز بقبائل الضفير وهم في الدهنا، من جهة (لينه) الماء المعروف فامرهم ان ينفروا معه غزاة فنفر معه شرذمة رئيسهم الشابوش ابن عفنان. فاستقل سعود غزوهم فانتهر الشابوش وغضب عليه. فقال انهم عصوني وهم يريدون المسير لقتال مطير. وكان سعود شرب من لينة ومال منها يريدالعراق فحرف الجيوش اليهم وشن عليهم الغارة وأمر فيهم بالقتل والنهب، ثم بعد ذلك اعتق غالبهم من القتل وقتل من عامة الضفير قتلى كثيرة من كل قبيلة واخذ جميع اموالهم من الابل والخيل والغنم والسلاح والحلل والامتاع والازواد. ولم ينج منهم الا الشريد من اقاصيهم وتفرقوا ... فمنهم من هرب الى المنتفق، ومنهم من فرّ الى جزيرة بين النهرين، وبعضهم هلكوا في نجد.
هذا وكان قد حدث من عربان الضفير حوادث أخرى عديدة علمها الأمير سعود منهم تضييع بعض فرائض الدين، وايواء المحدثين وتوهيلهم واضافتهم واتاهم غزو من قبائل الشمال فأغاروا على نجد واجتازوا بالضفير فاضافوهم، وذكر لسعود ان ناساً منهم يغزون مع أعدائه على قبائلهم ...
كل هذا كان منهم وعلمه سعود، وان الحادث الأخير قوّى الشيهة فيهم، وجعله يقطع في صحة ما نسب اليهم فكان ما كان ... وهذا سبب نزوحهم الى العراق في هذه السنة وهي سنة ١٢١٩هـ. (١) وبعد أن جاءوا الى العراق ضبطت وقائعهم، وعرفت حوادثهم مع الحكومة..
ومن وقائعهم في العراق انهم في سنة (١٢٢٠هـ - ١٨٠٦م) كان غزو منهم برياسة روخي بن خلاف السعدي الضفيري، وراشد بن فهد بن عبد الله السليمان ابن سويط، ومناع الضويحي رؤساء الضفير. وأكثر هذا الغزو منهم ومن رؤساؤهم وهم في الموضع المعروف ب (فليج) في الباطن قرب الحفر فصادفتهم سرية من جيش سعود فاستأصلتهم تقريباً ولم يسلم منهم الا الشريد ... (٢) وفي هذه الحادثة وبعدها لم يبق أمل لهذه القبيلة في مقارعة آل سعود ... وتعدّ خاتمة الوقائع في الانتقام منهم، والحكومة العثمانية بطولها وعرضها، وقوة جيشها وجمهرة قبائلها ... لم تتمكن من آل سعود فكيف بالقبيلة الواحدة وعلى كل حال هذه حاسمة الوقائع بينهم وبين آل سعود.
وفي سنة ١٢٢٤هـ - ١٨١٠م حدثت للضفير وعنزة حادثة مع شمر وأمدّ الوزير سليمان باشا قبيلة شمر ولكن انتصر الضفير وعنزة على شمر وعلى الجيوش ...