للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صحابة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار، لأُبلِّغكم ما يقولون ... فعليهم نزلَ القرآن، وهم أعلم بالوحي منكم، وفيهم أنزل: وليس فيكم منهم أحد. فقال بعضهم: لا تخاصموا قريشاً، فإنَّ الله يقول: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨)} [الزّخرف] قال ابن عباس: وأتيت قوما لم أرَ قوما قطّ أشدّ اجتهاداً منهم مسهمة وجوههم من السَّهر، كأن أيديهم وركبهم تثنى عليهم، فمضى من حضر، فقال بعضهم: لنكلمنَّه ولننظرنَّ ما يقول.

قلت: أخبروني ماذا نقمتم على ابن عمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصهره والمهاجرين والأنصار؟ قالوا: ثلاثاً. قلت: ما هنَّ؟

قالوا: أمَّا إحداهنّ فإنه حَكَّم الرجال في أمر الله، وقال الله تعالى {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ... (٥٧)} [الأنعام] وما للرجال وما للحكم؟ فقلت: هذه واحدة.

قالوا: وأمَّا الأخرى فإنه قاتل، ولم يسب (١) ولم يغنم، فلئن كان الذي قَاتَلَ كفّاراً لقد حَلَّ سبيهم وغنيمتهم، ولئن كانوا مؤمنين ما حلَّ قتالهم. قلت: هذه اثنتان، فما الثّالثة؟

قال: إنَّه محا (٢) نفسه من أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين. قلت: أعندكم سوى هذا؟ قالوا: حسبنا هذا.

فقلت لهم: أرأيتم إن قرأتُ عليكم من كتاب الله ومن سُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ما يَردُّ به قولكم أترضون؟ قالوا: نعم.

فقلت: أما قولكم: حكّم الرّجال في أمر الله فأنا أقرأ عليكم ما قد ردَّ حكمه إلى الرّجال في ثمن ربع درهم في أرنب ونحوها من الصَّيد، فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ... (٩٥)} [المائدة] فنشدتكم الله أحكم الرجال في أرنب ونحوها من الصَّيد أفضل، أم


(١) السَّبْيُ والسِّباء: الأسر وأخذ النِّساء والذُّرية غنيمة في الحرب.
(٢) المحو: الإزالة، والمسح وذهاب الأثر والتنحية.

<<  <   >  >>