للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولمّا طلب المشركون من النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي بقرآن غيره أو يبدّله، قال الله له: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥)} [يونس].

ولذلك وصف الله تعالى القرآن الكريم بأنّه كتاب عزيز: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)} [فصّلت] وكيف لا يكون كذلك، وهو من لدن عزيز حكيم؟! {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١)} [الزّمر] وقد وردت هذه الآية باللفظ نفسه في غير سورة، فقد وردت في الزّمر، والجاثية، والأحقاف؛ ليؤكّد الله تعالى أنّ هذا القرآن منيعُ الجَنَابِ عزيز لا تقوى شياطينُ الإنس والجنّ على محاكاته، حتّى بعد وفاة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -!

ومن انخدع بهذه القصّة فقد ظلم نفسه، فقد بيّن الله تعالى أنّ الّذين ورثوا الكتاب من عباده أقسام ثلاثة، قال تعالى: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢)} [فاطر].

وهذه الرّوايات الّتي تتحدّث عن هذه القصّة أخرج جُلَّها الطّبريُّ في تفسيره (١)، وقد اختلفت هذه الرّوايات في أسانيدها، وألفاظ متونها، فضلاً عن المناسبة الّتي قيلت فيها، لكنّها اتّفقت في معناها، وهي روايات كلّها مُرْسَلة، أو ضعيفة، أو كلاهما معاً.

فقد أخرج الطّبريّ رواية من طريق أبي معشر، عن محمّد بن كعب القرظي، ومحمّد بن قيس المدني، وهذه الرّواية فيها علّتان: الأولى: الإرسال، محمّد بن كعب، ومحمّد بن قيس تابعيّان، والثّانية: الضّعف؛ فإنّ الرّواي عنهما أبومعشر، واسمه نجيح بن عبد الرّحمن


(١) الطّبري: " تفسير الطّبري " (م ٩/ ص ١٧٤/ رقم ٢٥٣٢٧) سورة الحجّ.

<<  <   >  >>